وسائل تحقيق السعادة
فإذا علمت أن معنى السعادة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدين الحق الذي هو الإسلام، وأن أسعد الناس ألزمهم للإسلام وأكثرهم عملاً بدين الله جل وعلا، فاعلم أن وسائل تحقيق السعادة ودفع الهموم عن النفس تنقسم إلى قسمين:
وسائل علمية - ووسائل عملية.
أما الوسائل العلمية: فهي إدراك حقيقة العبودية لله سبحانه بمعرفة الله جل وعلا ومعرفة ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته، والإيمان الجازم به، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وإدراك حقيقة الدين، ومدى تزكيته للنفس والروح والبشر جميعًا، فإن إدراك التوحيد ومعانيه، وتعظيم شعائر الله في القلب، يقوي النفس على تحمل أعباء الحياة ويشغل الفكر والروح عن الانصياع لمكدرات السعادة ومصارع الهم والغم والحزن.
وهذه الوسائل هي قوة علمية تقوي النفس وتبعث فيها العزم على السير نحو السعادة بثبات العقيدة وإيمان، لأنها دليل التصور الصحيح لمعاني الحياة والوجود ومعاني الموت والمصير، ومعاني السراء والضراء، والنعم والبلاء لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى «من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية»([1]).
وقال رحمه الله تعالى: فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله سبحانه ومن عبد غير الله وإن أحبه – وحصل به مودة في الحياة الدنيا ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم ([2]) .
وأما الوسائل العملية: فهي توطين النفس على مواجهة الحياة بالمجاهدة والمصابرة، والاستعانة بالله، جل وعلا- والتوكل عليه في سائر الأعمال والأحوال والأقوال، والقناعة والشكر، والرضى بالقضاء
([1]) مدارك السالكين (1/429).
([2]) مجموع الفتاوى (1/247).
والقدر، واتخاذ وسائل انشراح الصدر وطمأنينة النفس كما ورد في الكتاب والسنة، كالذكر والصلاة والتنفل والتبتل والإحسان إلى الخلق، والعفو عن الناس، والرحمة بهم، وكظم الغيظ وبذل المعروف، والتوبة والإنابة والدعاء، والاستشارة في الأمور والاستخارة فيها، وغير ذلك مما سنبينه في هذا الكتيب بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
ومهما كثرت أساليب الناس في البحث عن السعادة فإنهم لن يبلغو هدفهم المنشود في هذه الحياة إلا بالعبودية لله جل وعلا والعمل بما تقتضيه من أفعال وأحوال وأقوال.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في هذا المعنى: «وإنما أكل من أكل، وشرب من شرب ونكح من نكح، ولبس من لبس، ولعب من لعب، واكتن من اكتن، وركب من ركب، ومشى من مشى و تودع من تودع، ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال، وسائر الهموم».
وفي كل ما ذكرنا – لمن تدبره- هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض من خلالها، وتعذر ما يتعذر منها، وذهاب ما يوجد منها، والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة وأيضًا نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس، أو طعن حاسد، أو اختلاس راغب، أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.
ووجدت العمل للآخرة سالمًا من كل عيب، خاليًا من كل كدر، - موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة، ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم، بل يسر، إذ رجاؤه في عاقبة
ما ينال به عون له على ما يطلب، وزايد في الغرض الذي إياه يقصد، ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم، إذ ليس مؤاخذًا بذلك، فهو غير مؤثر فيما يطلب، ورأيته إن قصد بالأذى سُر، وإن نكبته نكبة سُر، وإن تعب فيما سلك فيه سُر، فهو في سرور أبدًا وغيره بخلاف ذلك أبدًا.
فاعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم وليس إليه إلا طريق واحد وهو العمل لله تعالى فما عدا هذا فضلال وسخف ([1]) .
فالسعادة: مطلب يشترك في إرادة تحصيله كل البشر، ولكن لا طريق له إلا طريق العلم والعمل، فهما السبيل نحو السعادة في الدنيا والآخرة، وكل وسائل السعادة إنما هي فروع عن هاتين الوسيلتين وتفصيل لهما.
وإليك أخي الكريم أهم وسائل تحقيق السعادة.
([1]) الأخلاق والسير (14-16) بتصرف.
من كتاب
دليلك إلى السعادة المؤلف أبو الحسن بن محمد الفقيه
فإذا علمت أن معنى السعادة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدين الحق الذي هو الإسلام، وأن أسعد الناس ألزمهم للإسلام وأكثرهم عملاً بدين الله جل وعلا، فاعلم أن وسائل تحقيق السعادة ودفع الهموم عن النفس تنقسم إلى قسمين:
وسائل علمية - ووسائل عملية.
أما الوسائل العلمية: فهي إدراك حقيقة العبودية لله سبحانه بمعرفة الله جل وعلا ومعرفة ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته، والإيمان الجازم به، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وإدراك حقيقة الدين، ومدى تزكيته للنفس والروح والبشر جميعًا، فإن إدراك التوحيد ومعانيه، وتعظيم شعائر الله في القلب، يقوي النفس على تحمل أعباء الحياة ويشغل الفكر والروح عن الانصياع لمكدرات السعادة ومصارع الهم والغم والحزن.
وهذه الوسائل هي قوة علمية تقوي النفس وتبعث فيها العزم على السير نحو السعادة بثبات العقيدة وإيمان، لأنها دليل التصور الصحيح لمعاني الحياة والوجود ومعاني الموت والمصير، ومعاني السراء والضراء، والنعم والبلاء لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى «من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية»([1]).
وقال رحمه الله تعالى: فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله سبحانه ومن عبد غير الله وإن أحبه – وحصل به مودة في الحياة الدنيا ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم ([2]) .
وأما الوسائل العملية: فهي توطين النفس على مواجهة الحياة بالمجاهدة والمصابرة، والاستعانة بالله، جل وعلا- والتوكل عليه في سائر الأعمال والأحوال والأقوال، والقناعة والشكر، والرضى بالقضاء
([1]) مدارك السالكين (1/429).
([2]) مجموع الفتاوى (1/247).
والقدر، واتخاذ وسائل انشراح الصدر وطمأنينة النفس كما ورد في الكتاب والسنة، كالذكر والصلاة والتنفل والتبتل والإحسان إلى الخلق، والعفو عن الناس، والرحمة بهم، وكظم الغيظ وبذل المعروف، والتوبة والإنابة والدعاء، والاستشارة في الأمور والاستخارة فيها، وغير ذلك مما سنبينه في هذا الكتيب بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
ومهما كثرت أساليب الناس في البحث عن السعادة فإنهم لن يبلغو هدفهم المنشود في هذه الحياة إلا بالعبودية لله جل وعلا والعمل بما تقتضيه من أفعال وأحوال وأقوال.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في هذا المعنى: «وإنما أكل من أكل، وشرب من شرب ونكح من نكح، ولبس من لبس، ولعب من لعب، واكتن من اكتن، وركب من ركب، ومشى من مشى و تودع من تودع، ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال، وسائر الهموم».
وفي كل ما ذكرنا – لمن تدبره- هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض من خلالها، وتعذر ما يتعذر منها، وذهاب ما يوجد منها، والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة وأيضًا نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس، أو طعن حاسد، أو اختلاس راغب، أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.
ووجدت العمل للآخرة سالمًا من كل عيب، خاليًا من كل كدر، - موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة، ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم، بل يسر، إذ رجاؤه في عاقبة
ما ينال به عون له على ما يطلب، وزايد في الغرض الذي إياه يقصد، ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم، إذ ليس مؤاخذًا بذلك، فهو غير مؤثر فيما يطلب، ورأيته إن قصد بالأذى سُر، وإن نكبته نكبة سُر، وإن تعب فيما سلك فيه سُر، فهو في سرور أبدًا وغيره بخلاف ذلك أبدًا.
فاعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم وليس إليه إلا طريق واحد وهو العمل لله تعالى فما عدا هذا فضلال وسخف ([1]) .
فالسعادة: مطلب يشترك في إرادة تحصيله كل البشر، ولكن لا طريق له إلا طريق العلم والعمل، فهما السبيل نحو السعادة في الدنيا والآخرة، وكل وسائل السعادة إنما هي فروع عن هاتين الوسيلتين وتفصيل لهما.
وإليك أخي الكريم أهم وسائل تحقيق السعادة.
([1]) الأخلاق والسير (14-16) بتصرف.
من كتاب
دليلك إلى السعادة المؤلف أبو الحسن بن محمد الفقيه