أبو فراس الحمداني هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الرَّبَعي، شاعر عربي شهير ينتمي الي قبيلة الحمدانيين التي كانت تحكم العراق وشمال سوريا في القرن العاشر الميلادي، وقد اهتم به ابن عمه سيف الدولة منذ صغره وترعرع في كنفه في حلب بعد أن مات والده وقد تميز ابو فراس الحمداني بأشعار العذبه وقصائده المميزة مما جعله واحداً من اشهر شعراء عصره حيث تميز بالفصاحة وقوة الاسلوب والتراكيب مع السلاسة والانسياب في التعبير حتي كاد مستوي شعره يصل الي مستوي المعلقات، وإلي جانب تميزه في كتابه الشعر كان ابو فراس يتميز بالشجاعة والفروسية وقد وقع اسيراً عندما تعرضت امارة ابن عمه سيف الدولة الحمداني لهجمات الروم، وخلال فترة سجنه ألف العديد من القصائد الشعرية وكانت معظمها تعبر عن قساوة الاسر ومعاناته منه، ومن اشهر قصائده التي ألفها قصيدة (أراك عصيّ الدمع شيمتُك الصبر أما للهـوى نهـيٌ عليـك ولا أمر).
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ، | أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟ |
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ | ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ ! |
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى | وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ |
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي | إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ |
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ | إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ! |
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا | و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ |
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ | لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ |
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً | هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ |
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي | لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ |
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني | أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ |
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ | وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ |
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ | فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ |
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ | لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ |
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها، | فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ |
تسائلني: ” منْ أنتَ ؟ ” ، وهي عليمة ٌ | وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟ |
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى : | قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ |
فقلتُ لها: ” لو شئتِ لمْ تتعنتي ، | وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ! |
فقالتْ: ” لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! | فقلتُ: “معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ، |
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ | إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ |
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ | إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ |
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛ | وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ |
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ، | إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ |
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها، | لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ |
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً | على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ |
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما | تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ |
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ | ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ |
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ | إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ |
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ | معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ |
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ | كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ |
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا | وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ |
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ، | وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ |
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ | طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ |
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ | هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ |
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا | فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ |
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ | و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ |
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى | و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر |
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟ | إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ |
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ، | ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ ! |
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ | فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ ! |
وقالَ أصيحابي: ” الفرارُ أوالردى ؟ “ | فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ |
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني، | وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ |
يقولونَ لي: ” بعتَ السلامة َ بالردى “ | فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ |
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ، | إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟ |
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه، | فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ |
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ | كما ردها ، يوماً بسوءتهِ ” عمرو” |
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما | عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ |
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ | وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ |
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ، | ” وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ ” |
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه | و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ |
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ | وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ |
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛ | وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ |
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، | لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ |
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا، | و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ |
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ، | وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ |
تحرر أبو فراس الحمداني من الأسر ووفاته
في عام 354 هـ تحرر ابو فراس من أسره، وتوفي سيف الدولة بعد خروجه من الاسر بعام واحد، وكان له مولي اسمه قرغوية وقد طمع في الحكم بعد وفاته، إلا انه طالب بإعلان ابي المعالي ابن اخت ابي فراس اميراً علي الامارة بهدف استغلال سلطاته حتي يفرض سيطرة علي الامارة باسم الامير، ولكن أبي فراس قد كشف نوايا المولي قرغوية وحاربه، فدخل حمص وهناك وقعت حرب بين ابو فراس وبين جيش قرغوية، وقتل في هذه الحرب في عام هـ، في بلدة صدد جنوب شرق حمص .
إنتهى ... SHRF2018