زهور
عضو V.i.P
- إنضم
- 2021-10-30
- المشاركات
- 17,141
- مستوى التفاعل
- 8,153
- النقاط
- 268
- الإقامة
- القلب موطن لكل من يعشق قلبي
- جوهرة
- დ123,040
- الجنس
- أنثى
..
.
.
.
تعدُّ العيون من أكثرِ أعضاء الوجه لفتاً للانتباه، وكثيرا ما تنوب عن الكلامِ، إذ تعد من أهم أنواع التّواصل غير الشفهي، فالإشارات والإيماءات بالعين من شأنها ارسال رسائل محددة في مواقف وظروف مختلفة، إذ بها تخرج المشاعر الدّفينة، فتصل من خلالها معلومات وأفكار عن الشّخصِ الآخر بحيث لا يستطيع إخفاء الأفكار التي تدور في ذهنه، لذلك احتلت العين المكان الأكبر في الأدب العربي، دون غيرها من لغات الجسد، ولم يبقَ أحد من الشعراء والأدباء إلا وقد وظف حالاتها في شعره ونثره.
باب النفس
جعل ابن حزم أولى علامات الحب التي يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي، إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها، والمعربة عن بواطنها، فترى الناظرة لا بطرف، يتنقل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباءِ معَ الشّمس، كما أنه أفرد باباً في كتابه طوق الحمامة أسماه «باب الإشارة بالعين»، وما ذلك إلا لأنها أداة البصر وأرقى وأرق الحواس الخمس، ولأنها صلة بين الإنسان وبين عالم النور والضياء، والعين هي الوعاء السحري الذي تنطوي فيه صور الدنيا بكل ما فيها، وهي مقر الجمال لذلك شغلت بعمق أسرارها إحساس الأديب ووجدانه، إذ اعتمد الشّعراء العرب قديماً وحديثاً العيون في وصف الجميل، لما لحركتها من أثر ودلالة، ومعنى رمزي تعبر فيه عن المعاني الكامنة في أعماق النفوس، وهذا ما جعلهم قديما يقولون «ربّ إشارة أبلغ من قول»، وهذا ما جعل أحدهم يقول:
لغة العيون
ولنتذكر قولهم كناية: «عينه تقدح شرًا»، هنا تنتمي لغة العين إلى ما عرف عند العرب «بالقيافة»، أي فراسة الإنسان، ومعرفة خصائصه السلوكية والنفسية من خلال النظر إلى أعضاء جسمه كالوجه وما يحويه من أجزاء جعلت العيون أهمها، لما فيها من حركة ظاهرة ولمعة معبرة، ما جعلها تحظى باهتمام الشعراء والأدباء الكتاب منذ القدم، فعرفوا لما تحمله من إشارات، في المواقف والتعامل، كما تغزلوا بها بكل حالاتها.
وصف الثعالبي
نجد وصف العين عند الثعالبي في كتابه «فقه اللغة وسر العربية»، في باب «محاسن العين»، وهي عنده:
الفتور: ويعني انكسار النظر الذي تبدو العين فيه وكأنها ناعسة مريضة وليس لها مرض، والفتور هو اسبال لطيف لجفون العين وهو نوع من الدلال والغنج يضفي على العينين جمالا.
الدعج: وهو أن تكون العين شديدة السواد مع سعة المقلة.
البَرَج: وهو شدة سواد العين وشدة بياضها.
النّجل: سعة العين.
الكحل: سواد جفون العين من غير كحل.
الحور:اتساع سواد العين.
الوَطف: طول أشفار العين وتمامها.
واستحسن بعضهم في العين القَبَلَ وهو ميل الحدقة في النظر إلى الأنف.
لغة عالمية
ومن هذه الأوصاف ما تمثل في قول جميل بثينة متغزلاً:
لها مقلةٌ كحلاء نجلاء خلقةً
كأن أباها الظبي أو أمها مها
وكقول جرير:
إن العيونَ التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
أما أحمد شوقي فيشير إلى ما فعلته الأعين الفاترات بألحاظها المريضة في القلوب الصحيحة بقوله:
أداري العيونَ الفاترات السواجيا
وأشكو إليها كيد إنسانها ليا
قتلن ومنين القتيل بألسنٍ من
السّحر يبدلن المنايا أمانيا
وكلمن بالألحاظ مرضى كليلة
فكانت صحاحا في القلوبِ مواضيا
كما عدّ الشعراء لغة العيون على أنها اللغة العالمية، المقدمة للإدراك، وأقرب وسيلة وأداة معبرة يتكشف بها الإساس، ويفهم منها مراد صاحبها، كقول أبي نواس:
تجمع عيني وعينها لغة
مخالف لفظها لمعناها
إذا اقتضاها طرفي لها عدة
عرفتُ مردودها بفحواها
ذي لغةٍ تسجدُ اللغات لها
ألغزها عاشق وعماها
وكقول صفي الدين الحلي:
كفّي القتالَ وفكي قيد أسراكِ
يكفيكِ ما فعلتْ بالناسِ عيناكِ
كلّت لحاظك مما قد فتكتِ بنا
فمن ترى في دمِ العشاقِ أفتاكِ
عملية التواصل والإفهام
ومن هنا فلم تكن العين صفة الجمال فقط، بل وسيلة بها يكمن إتمام عملية التواصل والإفهام، حتى قال بعضهم: «أنا لا أحسن أن أكلم إنساناً في الظلمة»، وما ذلك إلا لأن العين وغيرها من ألفاظ الجسد تمنح المعنى دلالات جديدة، ولعلّ العين أثارت انتباه العلماء والشعراء كثيرا، كابن جني الذي أورد أهميتها في عملية التواصل، في ذكره لقول الشاعر:
وقالت له العينان: سمعاً وطاعةً
وأبدت كمثلِ الدرّ لمّا يثقب
فقول العينان لم يكن بصوت منهما، إذ إن الحال أذنت بأنه لو كان لهما قدرة نطق لقالتا هذا القول.
أما العيون السود والكحيلة فقد كانت من أكثر أنواع العيون وروداً في الأدب العربي قديماً وحديثاً، كقول الشاعر:
صادتك من بعض الحضور
بيض نواعم في الخدور
حور تحور إلى صباك
بأعينٍ منهن حور
أما إيليا أبو ماضي فيقول في العيون السود:
ليتَ الذي خلقَ العيونَ السودا
خلقَ القلوبَ الخافقات حديدا
عوذ فؤادك من نبال لحاظها
أو مت كما شاءَ الغرامُ شهيدا
لون العيون
وعلى الرغم من أهمية العين، ودلالتها المتعددة على الجمال والحب والكره والخوف الدهشة، فإن العيون الملونة كانت بعيدة عن ساحة الجمال في نظر العرب القدماء في الجاهلية وما بعدها، ولم يرد التغزل فيها إلا نادراً، ولا سيما العيون الزرق والخضر، التي عرفها العرب في عيون الجواري والقيان، عن طريق قوافل التّجار التي كانت تحمل الرقيق من بلاد فارس وغيرها، فقد كانت محط تشاؤم من ذلك قول بشار بن برد في هجائه لعباس بن محمد العباسي بقوله:
وللبخيلِ على أمواله علل
زرق العيونِ عليها أوجه سود
فقد شبّه بشار العلل بحراس يتخذها البخيل على ماله، وتخيل لها أعيناً زرقاً ووجوهاً سوداء، كي تكتمل فيه الدمامة.
أسباب كره العرب للعيون الزرق؟
وقد علل الزمخشري سر كراهية العرب للعيون الزرق لأسباب عدة كان من بينها، أن العيون الزرقاء كانت لون أعين أعداء العرب من الروم، وفي وصفهم للعدو كانوا يقولون: أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين. أما السبب الثاني فيرجع إلى العمى، وذلك لأن العيون التي تفقد البصر تتحول إلى اللون الأزرق، ففي زرقة العين دلالة على المرض، والعمى، واستدلوا في ذلك بقوله تعالى: «ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً»، حيث فسروا «زرقاً» على أنها العمى، وبقوله تعالى «ونحشرهم يوم القيامة عمياً»، أما البعض الآخر فقد فسرها بالعطش الشديد، ومهما يكن فقد كانت نظرة العرب للعيون الملونة نظرة سلبية، ولم تخلُ أشعارهم من وصف العين الزرقاء بالقباحة والحسد، كما في قول بشار:
تراخت في النعيم فلم ينلها
حواسد أعين الزرق القباحِ
كما يتشاءم ابن الرومي من العيون الزرق فيقول في هجاء ابن طالب الكاتب:
أزيرق مشؤوم أحيمر قاشر
لأصحابه نحس على القوم ثاقب
وهل يتمارى الناس في شوم كاتب
لعينه لون السيف والسيف قابض
وقال ذو الرمة في ذم العيون الزرق:
زرق العيون إذا جاورتهم سرقوا
ما يسرق العبد أو نابأتهم كذبوا
معايير الجمال
ومهما تكن نظرة العرب للعيون الزرق إلا أنها في الحقيقة تبقى مظهر من مظاهر جمال العيون، ولا سيما إذا اكتملت مع نقاء الوجه وبياضه وبشاشته، كما أن معايير الجمال تتغير وتتأثر بالظروف والأزمان، لتبقى مساحة العيون في الأدبي العربي أكبر مساحة تشغلها لغة الجسد، قديماً وحديثاً، حتى أن أشهر أبيات الشعر التي نالت استحسان الجميع كانت تحمل ألفاظ العين وصفاتها، كقول إدريس الجمّاع الشاعر السوداني الذي عدّ بيته أبلغ بيت شعر في الغزل في العصر الحديث، وذلك أنه دخل مستشفى في لندن للعلاج فأعجب بعيون الممرضة، فكان يطيل التحديق فيهما، فأخبرت مدير المستشفى بذلك فأمرها أن ترتدي نظارات سوداء ففعلت، ولما جاءت إلى الشاعر نظر إليها وأنشد:
والسيفُ في الغمدِ لا تُخشى مضاربه
وسيف عينيكِ في الحالينِ بتّارُ
ولأهمية العين في عملية التواصل، فقد حفلت كتب القدماء بذكرها، إذ أفرد لها كل من ابن حزم والثعالبي أبواباً في مؤلفاتهما، كما نجد كتاباً حديثاً بعنوان «العيون في الشعر العربي لمحمد جميل الحطاب»، والذي يعد من أجمل الكتب وألطفها في تناول هذا الموضوع
منقول
.
.
.
تعدُّ العيون من أكثرِ أعضاء الوجه لفتاً للانتباه، وكثيرا ما تنوب عن الكلامِ، إذ تعد من أهم أنواع التّواصل غير الشفهي، فالإشارات والإيماءات بالعين من شأنها ارسال رسائل محددة في مواقف وظروف مختلفة، إذ بها تخرج المشاعر الدّفينة، فتصل من خلالها معلومات وأفكار عن الشّخصِ الآخر بحيث لا يستطيع إخفاء الأفكار التي تدور في ذهنه، لذلك احتلت العين المكان الأكبر في الأدب العربي، دون غيرها من لغات الجسد، ولم يبقَ أحد من الشعراء والأدباء إلا وقد وظف حالاتها في شعره ونثره.
باب النفس
جعل ابن حزم أولى علامات الحب التي يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي، إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها، والمعربة عن بواطنها، فترى الناظرة لا بطرف، يتنقل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباءِ معَ الشّمس، كما أنه أفرد باباً في كتابه طوق الحمامة أسماه «باب الإشارة بالعين»، وما ذلك إلا لأنها أداة البصر وأرقى وأرق الحواس الخمس، ولأنها صلة بين الإنسان وبين عالم النور والضياء، والعين هي الوعاء السحري الذي تنطوي فيه صور الدنيا بكل ما فيها، وهي مقر الجمال لذلك شغلت بعمق أسرارها إحساس الأديب ووجدانه، إذ اعتمد الشّعراء العرب قديماً وحديثاً العيون في وصف الجميل، لما لحركتها من أثر ودلالة، ومعنى رمزي تعبر فيه عن المعاني الكامنة في أعماق النفوس، وهذا ما جعلهم قديما يقولون «ربّ إشارة أبلغ من قول»، وهذا ما جعل أحدهم يقول:
لغة العيون
ولنتذكر قولهم كناية: «عينه تقدح شرًا»، هنا تنتمي لغة العين إلى ما عرف عند العرب «بالقيافة»، أي فراسة الإنسان، ومعرفة خصائصه السلوكية والنفسية من خلال النظر إلى أعضاء جسمه كالوجه وما يحويه من أجزاء جعلت العيون أهمها، لما فيها من حركة ظاهرة ولمعة معبرة، ما جعلها تحظى باهتمام الشعراء والأدباء الكتاب منذ القدم، فعرفوا لما تحمله من إشارات، في المواقف والتعامل، كما تغزلوا بها بكل حالاتها.
وصف الثعالبي
نجد وصف العين عند الثعالبي في كتابه «فقه اللغة وسر العربية»، في باب «محاسن العين»، وهي عنده:
الفتور: ويعني انكسار النظر الذي تبدو العين فيه وكأنها ناعسة مريضة وليس لها مرض، والفتور هو اسبال لطيف لجفون العين وهو نوع من الدلال والغنج يضفي على العينين جمالا.
الدعج: وهو أن تكون العين شديدة السواد مع سعة المقلة.
البَرَج: وهو شدة سواد العين وشدة بياضها.
النّجل: سعة العين.
الكحل: سواد جفون العين من غير كحل.
الحور:اتساع سواد العين.
الوَطف: طول أشفار العين وتمامها.
واستحسن بعضهم في العين القَبَلَ وهو ميل الحدقة في النظر إلى الأنف.
لغة عالمية
ومن هذه الأوصاف ما تمثل في قول جميل بثينة متغزلاً:
لها مقلةٌ كحلاء نجلاء خلقةً
كأن أباها الظبي أو أمها مها
وكقول جرير:
إن العيونَ التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
أما أحمد شوقي فيشير إلى ما فعلته الأعين الفاترات بألحاظها المريضة في القلوب الصحيحة بقوله:
أداري العيونَ الفاترات السواجيا
وأشكو إليها كيد إنسانها ليا
قتلن ومنين القتيل بألسنٍ من
السّحر يبدلن المنايا أمانيا
وكلمن بالألحاظ مرضى كليلة
فكانت صحاحا في القلوبِ مواضيا
كما عدّ الشعراء لغة العيون على أنها اللغة العالمية، المقدمة للإدراك، وأقرب وسيلة وأداة معبرة يتكشف بها الإساس، ويفهم منها مراد صاحبها، كقول أبي نواس:
تجمع عيني وعينها لغة
مخالف لفظها لمعناها
إذا اقتضاها طرفي لها عدة
عرفتُ مردودها بفحواها
ذي لغةٍ تسجدُ اللغات لها
ألغزها عاشق وعماها
وكقول صفي الدين الحلي:
كفّي القتالَ وفكي قيد أسراكِ
يكفيكِ ما فعلتْ بالناسِ عيناكِ
كلّت لحاظك مما قد فتكتِ بنا
فمن ترى في دمِ العشاقِ أفتاكِ
عملية التواصل والإفهام
ومن هنا فلم تكن العين صفة الجمال فقط، بل وسيلة بها يكمن إتمام عملية التواصل والإفهام، حتى قال بعضهم: «أنا لا أحسن أن أكلم إنساناً في الظلمة»، وما ذلك إلا لأن العين وغيرها من ألفاظ الجسد تمنح المعنى دلالات جديدة، ولعلّ العين أثارت انتباه العلماء والشعراء كثيرا، كابن جني الذي أورد أهميتها في عملية التواصل، في ذكره لقول الشاعر:
وقالت له العينان: سمعاً وطاعةً
وأبدت كمثلِ الدرّ لمّا يثقب
فقول العينان لم يكن بصوت منهما، إذ إن الحال أذنت بأنه لو كان لهما قدرة نطق لقالتا هذا القول.
أما العيون السود والكحيلة فقد كانت من أكثر أنواع العيون وروداً في الأدب العربي قديماً وحديثاً، كقول الشاعر:
صادتك من بعض الحضور
بيض نواعم في الخدور
حور تحور إلى صباك
بأعينٍ منهن حور
أما إيليا أبو ماضي فيقول في العيون السود:
ليتَ الذي خلقَ العيونَ السودا
خلقَ القلوبَ الخافقات حديدا
عوذ فؤادك من نبال لحاظها
أو مت كما شاءَ الغرامُ شهيدا
لون العيون
وعلى الرغم من أهمية العين، ودلالتها المتعددة على الجمال والحب والكره والخوف الدهشة، فإن العيون الملونة كانت بعيدة عن ساحة الجمال في نظر العرب القدماء في الجاهلية وما بعدها، ولم يرد التغزل فيها إلا نادراً، ولا سيما العيون الزرق والخضر، التي عرفها العرب في عيون الجواري والقيان، عن طريق قوافل التّجار التي كانت تحمل الرقيق من بلاد فارس وغيرها، فقد كانت محط تشاؤم من ذلك قول بشار بن برد في هجائه لعباس بن محمد العباسي بقوله:
وللبخيلِ على أمواله علل
زرق العيونِ عليها أوجه سود
فقد شبّه بشار العلل بحراس يتخذها البخيل على ماله، وتخيل لها أعيناً زرقاً ووجوهاً سوداء، كي تكتمل فيه الدمامة.
أسباب كره العرب للعيون الزرق؟
وقد علل الزمخشري سر كراهية العرب للعيون الزرق لأسباب عدة كان من بينها، أن العيون الزرقاء كانت لون أعين أعداء العرب من الروم، وفي وصفهم للعدو كانوا يقولون: أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين. أما السبب الثاني فيرجع إلى العمى، وذلك لأن العيون التي تفقد البصر تتحول إلى اللون الأزرق، ففي زرقة العين دلالة على المرض، والعمى، واستدلوا في ذلك بقوله تعالى: «ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً»، حيث فسروا «زرقاً» على أنها العمى، وبقوله تعالى «ونحشرهم يوم القيامة عمياً»، أما البعض الآخر فقد فسرها بالعطش الشديد، ومهما يكن فقد كانت نظرة العرب للعيون الملونة نظرة سلبية، ولم تخلُ أشعارهم من وصف العين الزرقاء بالقباحة والحسد، كما في قول بشار:
تراخت في النعيم فلم ينلها
حواسد أعين الزرق القباحِ
كما يتشاءم ابن الرومي من العيون الزرق فيقول في هجاء ابن طالب الكاتب:
أزيرق مشؤوم أحيمر قاشر
لأصحابه نحس على القوم ثاقب
وهل يتمارى الناس في شوم كاتب
لعينه لون السيف والسيف قابض
وقال ذو الرمة في ذم العيون الزرق:
زرق العيون إذا جاورتهم سرقوا
ما يسرق العبد أو نابأتهم كذبوا
معايير الجمال
ومهما تكن نظرة العرب للعيون الزرق إلا أنها في الحقيقة تبقى مظهر من مظاهر جمال العيون، ولا سيما إذا اكتملت مع نقاء الوجه وبياضه وبشاشته، كما أن معايير الجمال تتغير وتتأثر بالظروف والأزمان، لتبقى مساحة العيون في الأدبي العربي أكبر مساحة تشغلها لغة الجسد، قديماً وحديثاً، حتى أن أشهر أبيات الشعر التي نالت استحسان الجميع كانت تحمل ألفاظ العين وصفاتها، كقول إدريس الجمّاع الشاعر السوداني الذي عدّ بيته أبلغ بيت شعر في الغزل في العصر الحديث، وذلك أنه دخل مستشفى في لندن للعلاج فأعجب بعيون الممرضة، فكان يطيل التحديق فيهما، فأخبرت مدير المستشفى بذلك فأمرها أن ترتدي نظارات سوداء ففعلت، ولما جاءت إلى الشاعر نظر إليها وأنشد:
والسيفُ في الغمدِ لا تُخشى مضاربه
وسيف عينيكِ في الحالينِ بتّارُ
ولأهمية العين في عملية التواصل، فقد حفلت كتب القدماء بذكرها، إذ أفرد لها كل من ابن حزم والثعالبي أبواباً في مؤلفاتهما، كما نجد كتاباً حديثاً بعنوان «العيون في الشعر العربي لمحمد جميل الحطاب»، والذي يعد من أجمل الكتب وألطفها في تناول هذا الموضوع
منقول