أول من أسلم:
«أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساءِ خديجة ومن الصِّبيان عليّ،
ومن العبيد زيد بن حارثة»
إبطال عادة التبني:
قال تعالى: "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"(الأحزاب: 5)
(ادعوهم لآبائهم) للصلب وانسبوهم إليهم، ولا تدعوهم إلى غيرهم؛ أخرج البخاري، ومسلم وغيرهما،
عن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: ادعوهم لآبائهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنت زيد بن حارثة بن شراحيل.
قصة زواج سيدنا زيد بن حارثة من السيدة زينب بنت جحش:
قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}،
نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش بنت عمة الرسول أُميمة بنت عبد المطلب،
روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبها لمولاه زيد بن حارثة، وقال: إني أُريد أَن أُزوجك
زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك، فأَبت وقالت: يا رسول الله لكن لا أرضاه لنفسى،
وأَنا أَيِّمُ قومي وبنت عمتك، فلم أكن لأَفعل، وفي رواية أنها قالت: أنا خير منه حسبًا،
ووافقها أخوها عبد الله على ذلك، فلما نزلت هذه الآية رضيا وسلما، فأَنكحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم - زيدًا بعد أَن جعلت أمرها بيده، وساق لها عشرة دنانير وستين درهمًا مهرًا، وخمارًا وملحفة ودرعًا وإزارًا وخمسين مُدًّا من طعام، وثلاثين صاعًا من تمر"
ومعنى الآية:
وما صح ولا استقام لرجل ولا لامرأَة من المؤمنين إذا قضى رسول الله أمرًا أن يختاروا من أَمرهم ما شاءُوا، بل يجب عليهم أَن يجعلوا رأيهم تبعًا لرأْيه واختيارهم تبعًا لاختياره، فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحى يوحى، ومن يعص الله ورسوله برفض أمر قضاه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد بعد عن طريق الحق بعدًا بينًا واضحًا.
( التفسير الوسيط للقرآن الكريم ج 8 ص 187).
قصة تطليق السيدة زينب بنت جحش من زيد بن حارثة وزواجها من النبي – صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ... الآية}:
المراد بالذي أنعم الله عليه، وأنعم الرسول عليه: زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي، وهو غلام عربي اشترته السيدة خديجة، ووهبته
للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأَعجبه ظرفه وأدبه فأعتقه وتبناه، وأحسن تربيته ورعايته.
وكان التبني أمرًا سائدًا قبل الإِسلام، وكان من تبنى أحدًا كانت له حقوق الابن النسبي من الميراث وغيره، وبحكم هذا التبني خطب له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنت عمته زينب بنت جحش، وزوجه إياها كما تقدم بيانه، روى أبو عصمة نوح ابن أَبي مريم مرفوعًا إلى زينب أنها قالت: (أمْسَى زيد فأَوى إلى فراشه - قالت زينب -: ولم يستطعني زيد، وما أَمتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر على).
وكانت تؤذى زيدًا بلسانها، وتفخر عليه بحسبها ونسبها، فجاءَ زيد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن زينب تؤذيني بلسانها، وتفعل وتفعل، وإني أُريد أن أُطلقها، فقال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ... الآية} فطلقها زيد فنزلت: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ... الآية}.
وروى عن علي زين العابدين بن الحسين - رضي الله عنهما، ورب الدَّار أدرى بما فيها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أوحى الله - تعالى - إليه أن زيدا يطلق زينب، وأَنه يتزوجها بتزويج الله إيَّاها له، فلما اشتكى زيد للنبي - صلى الله عليه وسلم - خُلُقَ زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة الأدب والوصية: اتق الله في قولك، وأمسك عليك زوجك، وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يرد أن يأْمره بالطلاق، لما علم أنه سيتزوجها، وخشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلحقه قول من الناس في أَن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله على هذا القدر من أنه خشى الناس في شيءٍ قد أَباحه الله له، بأَن قال: "أمْسِكْ" مع علمه أنه يطلق، وأعلمه أن الله أحق بالخشية في كل حال. قال القرطبي: قال علماؤنا: وهذا القول أَحسن ما قيل في تأْويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين: كالزهري والقاضي بكر ابن العلاء القشيري، والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهم. اهـ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَ نِكَاحُ زَيْنَبَ انْطَلَقَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى اسْتَأْذَنَ عَلَى زَيْنَبَ قَالَ: فَقَالَتْ زَيْنَبُ: مَا لِي وَلِزَيْدٍ؟ قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَذِنَتْ لَهُ فَبَشَّرَهَا أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَهَا مِنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَّتْ سَاجِدَةً شُكْرًا لِلَّهِ"[4].