يعتبر الزواج بين الرجل والمرأة من الاهداف السامية والراوبط المقدسة في المجتمع ووضعت له الكثير من الاحكام والقواعد التي تنظم العلاقة مع بعضهما وداخل الاسرة لكن مع قدسية هذه الرابطة ومكانتها فأن هذه المجتمعات ادركت ان هناك بعض الامور والأحداث والمشاكل قد تعتريها وتجعل من استمرارها مصدرللشقاء والخصام وتصبح جحيماً يخرجها عن اطارها الذي عرفت به من كونها نظام اجتماعي قائم على المودة والحب والرحمه والتعاطف بين الزوجين غايته انشاءالأسرة او العائلة , وللعلة هذه ظهرت الحاجة الى هذا الرباط المقدس , فحلها خير من بقائها بقائمة على من يعتريها من تنافر او تخاصم قد يؤدي الى عواقب لاتحمد ليس على الزوجين وانما تتعددها الى اولادهما والمجتمع بشكل عام , فالطلاق او التفريق بين الزوجين شرع لغاية وحاجة انسانية وهو استثناء على الاصل الذي هو الزواج ودوام الحياة الزوجية ,ولكن الذي نراه اليوم في مجتمعاتنا , ان الطلاق بات مشكلة اجتماعية سائدة اتسع نطاقها بشكل كبير واصبحت ظاهرة خطيرة ,وللتصدي لهذه الظاهرة لابد من دراستها وتحليلها ومعرفة اسبابها واسباب استفحالها ثم وضع الحلول التي تعالجها او تحد منها, اضافة الى تهيئة الوسائل والادوات والامكانيات اللازمة لهذا الغرض , وهذه ليست مسؤولية الدولة لوحدها بل يشترك في هذه المسؤولية كل فئات المجتمع بما فيه منظمات ومؤسسات مدنية ورجال دين واكادميين ومختصين , وان مجلس القضاء العراقي كان له الدور الرائد في هذا المجال حيث بادر الى اتخاذ الكثير من الاجراءات واصدر الكثير من التوجيهات والتعليمات للمؤسسات القضائية ورجال القضاء للحد من هذه الظاهرة ومن بين الاجرائات العملية التي كان لها كبير الاثر في الحد منها , هي توجيه معالي رئيس مجلس القضاء الاعلى بأنشاء مكاتب البحث الاجتماعي وتفعيل دور الباحث الاجتماعي امام محاكم الاحوال الشخصية والمواد الشخصية وذلك بأصدار قواعد تنظيم عمل البحث الاجتماعي رقم (1) لسنة 2008 والتعليمات الملحقة بها , والتي حددت آلية عمل الباحث الاجتماعي والخطوات التي عليه اتباعها في اداء مهمته , ومن اهم هذه القواعد هو احالة حالات الطلاق وبعض الدعاوى الاخرى التي يقيمها احد الزوجين تجاه الأخر الى مكتب البحث الاجتماعي في المحكمة قبل نظرها من المحكمة والسير في اجراءاتها , لتقريب وجهات النظر بين الزوجين وتحقيق المصالحة بينهما , كما اشترطت هذه القواعد في الباحث الاجتماعي الألمام بعلوم الاجتماع والأسرة ولدية من الخبرة والممارسة اللتين تمكنانه من اداء دوره بأفضل وجه وأشارت القاعدة السادسة فقرة (5) منها الى ان عمل الباحث الاجتماعي وجهده سيكون تحت انظار السيد معالي رئيس مجلس القضاء الاعلى من خلال ما يرفع لمعاليه من احصائات شهرية وفصلية وسنوية ويستشف من هذه القواعد ان الغاية او الهدف الذي تقصده السيد معالي رئيس مجلس القضاء من اصدارها هي ان يسعى الباحث الاجتماعي في اجراءاته لتحقيق الصلح بين الزوجين وبذل الجهد في هذا الاتجاة ولا علاقة له بما تحتويه الدعوى من حقوق وادعاءات ودفوع وبالتالي لابد لكل باحث ان يتبع اسلوب او منهج يختلف تماماً عن اسلوب القاضي في الفصل في الدعوى , ولا يستطيع الباحث ان يقوم بهذا الدور ما لم يحقق قناعة لدى الزوجين مفادها ان اجراءاته هدفها المصالحة بينهما لا نزع الحقوق او اعطائها من احدهما للأخر او تقصير احدهما تجاه الاخر , وعليه ان يحرص على ترسيخ هذه القناعة لديها بدا من ورقة التبليغ التي يطلب فيها حضورهما الى مكتبه وان يتجنب العبارات القسرية والألزامية في طلب الحضور ( مثل اقتضى حضورك أو عند عدم الحضور ستتخذ الأجراءات القانونية ) وان يستعاض عنها بعبارات الأستضافة والترحيب مثل ( نرجو حضوركم لغرض المساعدة في حل مشكلتكما الزوجية او المحافظة على الرابطة الزوجية بينكما .. الخ) كي لا يتولد انطباع لدى المطلوب حضوره بأنه في المقام المدافع والمدعي عليه . ونحبذ ايضاً ان يتم التبليغ بواسطة المبلغ القضائي المدني للمحكمة بدل من تبليغات افراد الشرطة لما يتركه حضورهم بزيهم العسكري وآلياتهم من اثر في نفس الزوج واهله وجيرانه . وان يكون الباحث دقيقاً في كل خطوة يخطوها لان اجراءات المحاكم قد تزيد من الهوه والخلاف بين الزوجين وعلى الباحث ايضاً ان يتعرف على السبب الحقيقي للخلاف او المشكلة بينهما لكي يستطيع ان يضع لها الحلول وان يستمع للزوجين على انفراد ومجتمعين خاصة وان المشرع العراقي نص في المادة 34 فقرة ثانياُ من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 118 لسنة 1959 على اخضاع الزوجين للبحث الاجتماعي وعدم الاعتداد بالوكالة في اجراءات البحث الاجتماعي لأعتبارات شخصية تتعلق بخصوصية وقدسية العلاقة الزوجية وعلى الباحث ان يغوص في اعماق المشكلة ويحدد سبب نشوئها فقد يكون سببها الاهل او الجانب الاقتصادي او تصرفات احد الزوجين ... الخ وبعدها يقوم بتقريب وجهات النظر بينهما مذكراً اياهما بالمودة والعشرة والرحمة التي بينهما وان يستعين بمبادئ الشريعة الاسلامية مبادئ الاخلاق والقيم والاجتماعية والاعراف السامية التي تقدس الرابطة الزوجية وتحترمها وان يحذر من العواقب الوخيمة التي تصيبهما مع اولادهما نتيجة افتراقهما وان يمارس دوره في البحث الميداني وزيارة اهل الزوجين ونصحهم بوجوب المحافظة على الحياة الزوجية للطرفين وان يتصل بأي شخص له تأثير في الزوجين وذويهم وان يأخذ الباحث وقتاُ كافياً في سعيه للصلح والتوفيق بين الزوجين وان تكون جلسات المصالحة في فترات متباعدة لان الوقت قد يساهم في عودة النفوس الى هدوئها ومن ثم زيادة فرص الصلح بينهما , ونرى ان الباحث الاجتماعي اذا مارس هذه الدور وادرى الى عمله وفق قواعد البحث المشار لها , فأن قناعة جديدة ستتولد لدى الزوجين ولدى عامة الناس وسيسود مفهوم اجتماعي وعرفي مفاده ان دعاوى الاحوال الشخصية التي تقام من احد الزوجين تجاه الاخر واجراءات الباحث الاجتماعي التي تتخذ فيها لا تمثل بداية لمشروع طلاق او تفريق بينهما وانما هي مشروع لطلب المصالحة يسعي له من اقام الدعوى وانه بأقامة هذه الدعوى يستعين بأجراءات الباحث الاجتماعي وامكانات المحكمة لتحقيق هذه الغاية بينهما ويبتغي منها حل رضائي عادل يحل محل الخلاف او ينهي مشكلة بينهما وبذلك يحل خلاف او ينهي مشكلة بينهما وبذلك يستطيع الباحث الاجتماعي تغيير كل ما رسخ في مجتمعنا من افكار وقناعات خاطئة وتأسيسا على ذلك يستحسن احالة كل دعوى يقيمها احد الزوجين تجاة الاخر الى مكتب الباحث الاجتماعي مهما كان نوعها فلا يمكن تصور قيام الزوجة على سبيل المثال بالمطالبة بأثاثها الزوجية او النفقة لطفلها من زوجها بدعوى امام المحكمة دون ان يكون هناك ادنى خلاف او مشكلة بينهما بل ان هذا مؤشر ودليل على ان هناك خلاف او عدم انسجام بينهما وبمثابة ناقوس خطر يشير الى ان حياتهما الزوجية لا تسير بصورة طبيعية. واضافة لهذا الدور الكبير والمهم للباحث الاجتماعي في اعادة الحياة الزوجية الى مجاريها بعد ان يعتريها خلاف طارئ ما فأن له دور آخر مهم في اعادة الحياة الزوجية واستئنافها بعد وقوع الطلاق بين الزوجين وذلك من خلال توسيع نطاق البحث الاجتماعي واحالة دعاوى تصديق الطلاق الرجعي والخلعي الجاري خارج المحكمة اليه خاصة في حالة وجود اطفال للزوجين او ان الزوجة لاتزال معتدة من طلاق رجعي او خلعي ليمارس الباحث دوره في المصالحة والتراضي واصلاح ذات البين وقد لوحظ من خلال التطبيق العلمي لذلك رجوع الزوج بزوجته او اعادتها الى ذمته بعقد جديدفي كثير من الاحيان ولابد اخيراً من القول ان الباحث الاجتماعي في حالة فشل مساعيه و جهوده في المصالحه سيكون دوره الاخر تحديد الاسباب التي تشكل اساس الخلاف وعدم الانسجام بين الزوجيين ومدى كفايتها لتكون سبباً يستوجب حل الرابطة الزوجية بينهما وعليه ان ينصح الزوجين ويذكرهما بالمودة والرحمه والعشرة التي بينهما وان لاينسيا الفضل بينهما وان يرعيا مصلحة الأولاد الاجتماعية والنفسية وان يسلكا الوجه الشرعي والقانوني في حل هذا الرابطة ويحذرهما من الاساليب الكيدية والتعسفيه في التداعي بينهما والابتعاد عن الضغائن والاحقاد وان يفهمها بأن الطلاق والتفريق هو من نعم الله على البشرية واخيراً لا يسعنا الا ان نبارك كل جهد سعى ويسعى للحفاظ على لبنة المجتمع الاولى وهي الاسرة ويعمل على المحافظة عليها ومنع تفككها وانهيارها...مع التقديــــر .