اجتناب أسباب الهموم
واجتناب أسباب الهموم يتطلب اجتناب ما يلي.
1- الفراغ: فإن الفراغ مدعاة لتذكر الهموم والأحزان، ومطية للعجز والاستسلام وللقلق والحيرة، ومتى اجتمعت في قلب الإنسان مصائب الدنيا وأكدارها وناسب ذلك فراغًا في حياته صار تعيسًا بئيسًا، مهموم النفس منهار الأعصاب، ينتابه الفزع ويصرعه الغم والحزن، ولربما أودى به الحال إلى الجنون المطلق أو المقطع وربما فكر في الانتحار!! ولذلك فإن إشغال النفس بما ينفعها من الأعمال، دواء مهم لصرف الهموم والأحزان وتجديد النشاط والحيوية في القلب والبدن.
وكم هي كثيرة مظاهر الفراغ في حياة الشباب في زماننا هذا، فإن المتأمل في أحوال كثير من الناس، يرى أن سبب قلقهم وفزعهم في الحياة، هو الفراغ القاتل الذي يعيشونه في ليلهم ونهارهم فلذلك تجتمع عليهم هموم الدنيا وأحوالها وتجد في القلب فسحة وفي الفكر مجالاً، ولم تزل بهم حتى تسقطهم في شباك الوساوس والأوهام وحبائل
الحيرة والتردد والانزعاج، فلذلك فشت في مجتمعاتنا الأمراض التي لم تكن في الأمم الماضية، كالأمراض النفسية والعصبية وما ينتج عنها من علل مستعصية مزمنة كمرض السكر والضغط وغيرها من الأمراض الفتاكة.
ولو علم الناس ما في إشغال النفس بما يستثمر فراغها من الخير و الفضل لسارعوا إلى ذلك حرصًا على أعمارهم، ورغبة في إسعاد نفوسهم وزوال همومهم، لا سيما وأن الفراغ نعمة من النعم العظيمة، كما أخبر بذلك رسول الله e حيث قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»([1]) .
مرور الوقت نقص في الحياة
وجد الأمر خال من مزاج
فمن يغنم زمان العمر يضحى
مقيما في سرور وانشراح
والنفس البشرية إذا صرفت لشيء لم تستطع أن تشتغل بغيره من الأمور مهما كان أمرها لأن الله جل وعلا- لم يجعل في جوف الإنسان قلبين وإنما هو قلب واحد كما قال تعالى: }وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه{ فدل ذلك على أن الاهتمام بالأعمال وصرف الوقت ومجاهدة النفس في العلم أو العمل يزيل كدر الحياة وهمومها، ويدفع الوساوس والخواطر الهالكة، ويشغل المرء عن التفكير في دواعي الهم ودوافع القلق.
([1]) رواه البخاري.
2- الانزعاج بالأوهام والوساوس:
ومن مكدرات السعادة وأسباب الهموم، استسلام القلب للخواطر السيئة والأوهام المحزنة والوساوس المهلكة، لا سيما في زماننا هذا حيث كثرت دواعي القلق والخوف، وتوقع المصائب اليومية، وأصبح الإنسان صريع ما يسمعه يوميًا من وسائل الدعاية والإعلان من الأخبار الكاذبة.
والمؤمن هو من يستكين قلبه بحب الله وذكره، وتطمئن نفسه بحمد الله وشكره ويرضى بحاله وفعاله عن قضائه وقدره فلا تراه إلا ثابتًا هادئًا يعيش أيامه يومًا بيوم، ويرضى بما قسمه الله له من رزق قل أو كثر، ولا ينزعج بتوقعات وأخبار أهل الدعاية، ولا بوساوس نفسه الأمارة بالسوء.
فإن الله الذي رزقه وهو في رحم أمه من باب سرته، ثم فتح له بعد ولادته بابين لرضاعته، هو الذي يطعمه ويسقيه ويأويه ويكسيه في جميع حياته.
}وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا{ فكلما أصابتك أخي الكريم نوبة تفكير في شيء يحزنك أو يقلقك مما تخاف وقوعه أو فاتك نيله، فأشعل فكرك بما ينفعك أو اذكر الله وأكثر من شكره واستغفاره وتسبيحه وتهليله يقذف في قلبك الطمأنينة والسكينة }أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{.
3- الحزن على الماضي والاهتمام بالمستقبل:
فإن الماضي بالنسبة للإنسان في حكم العدم، لا يمكن له رده أو
إرجاعه لذا فإن التفكر فيه والتحسر على فواته أو الحزن على أحداثه ووقائعه مدعاة للقلق والحزن ولا سبيل لدفعهما إلا بتجاوز الماضي بما فيه من أكدار وهموم، وإحياء الحاضر بصالح الأعمال.
ما مضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أ نت فيها
إنما هذه الحياة متاع
فالجهول المغرور من يصطفيها
ولذلك قال رسول الله e: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز وإذا أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل! فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»([1]) .
فاللبيب هو من يكون ابن يومه، ويعيش لحظاته لحظة بلحظة، ويدع الأسى والحزن على ما مضى، ولا يشغل باله بالحسرات الخاليات.
قال الشاعر:
وليس براجع ما فات مني
بـ (لهف) ولا بـ (ليت) ولا (لو أني)
وقال آخر:
ليت شعري وأين مني (ليت)
إن (ليتًا) وإن (لوًا) عناء
([1]) رواه مسلم.
من كتاب
دليلك إلى السعادة
المؤلف: أبو الحسن بن محمد الفقيه
واجتناب أسباب الهموم يتطلب اجتناب ما يلي.
1- الفراغ: فإن الفراغ مدعاة لتذكر الهموم والأحزان، ومطية للعجز والاستسلام وللقلق والحيرة، ومتى اجتمعت في قلب الإنسان مصائب الدنيا وأكدارها وناسب ذلك فراغًا في حياته صار تعيسًا بئيسًا، مهموم النفس منهار الأعصاب، ينتابه الفزع ويصرعه الغم والحزن، ولربما أودى به الحال إلى الجنون المطلق أو المقطع وربما فكر في الانتحار!! ولذلك فإن إشغال النفس بما ينفعها من الأعمال، دواء مهم لصرف الهموم والأحزان وتجديد النشاط والحيوية في القلب والبدن.
وكم هي كثيرة مظاهر الفراغ في حياة الشباب في زماننا هذا، فإن المتأمل في أحوال كثير من الناس، يرى أن سبب قلقهم وفزعهم في الحياة، هو الفراغ القاتل الذي يعيشونه في ليلهم ونهارهم فلذلك تجتمع عليهم هموم الدنيا وأحوالها وتجد في القلب فسحة وفي الفكر مجالاً، ولم تزل بهم حتى تسقطهم في شباك الوساوس والأوهام وحبائل
الحيرة والتردد والانزعاج، فلذلك فشت في مجتمعاتنا الأمراض التي لم تكن في الأمم الماضية، كالأمراض النفسية والعصبية وما ينتج عنها من علل مستعصية مزمنة كمرض السكر والضغط وغيرها من الأمراض الفتاكة.
ولو علم الناس ما في إشغال النفس بما يستثمر فراغها من الخير و الفضل لسارعوا إلى ذلك حرصًا على أعمارهم، ورغبة في إسعاد نفوسهم وزوال همومهم، لا سيما وأن الفراغ نعمة من النعم العظيمة، كما أخبر بذلك رسول الله e حيث قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»([1]) .
مرور الوقت نقص في الحياة
وجد الأمر خال من مزاج
فمن يغنم زمان العمر يضحى
مقيما في سرور وانشراح
والنفس البشرية إذا صرفت لشيء لم تستطع أن تشتغل بغيره من الأمور مهما كان أمرها لأن الله جل وعلا- لم يجعل في جوف الإنسان قلبين وإنما هو قلب واحد كما قال تعالى: }وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه{ فدل ذلك على أن الاهتمام بالأعمال وصرف الوقت ومجاهدة النفس في العلم أو العمل يزيل كدر الحياة وهمومها، ويدفع الوساوس والخواطر الهالكة، ويشغل المرء عن التفكير في دواعي الهم ودوافع القلق.
([1]) رواه البخاري.
2- الانزعاج بالأوهام والوساوس:
ومن مكدرات السعادة وأسباب الهموم، استسلام القلب للخواطر السيئة والأوهام المحزنة والوساوس المهلكة، لا سيما في زماننا هذا حيث كثرت دواعي القلق والخوف، وتوقع المصائب اليومية، وأصبح الإنسان صريع ما يسمعه يوميًا من وسائل الدعاية والإعلان من الأخبار الكاذبة.
والمؤمن هو من يستكين قلبه بحب الله وذكره، وتطمئن نفسه بحمد الله وشكره ويرضى بحاله وفعاله عن قضائه وقدره فلا تراه إلا ثابتًا هادئًا يعيش أيامه يومًا بيوم، ويرضى بما قسمه الله له من رزق قل أو كثر، ولا ينزعج بتوقعات وأخبار أهل الدعاية، ولا بوساوس نفسه الأمارة بالسوء.
فإن الله الذي رزقه وهو في رحم أمه من باب سرته، ثم فتح له بعد ولادته بابين لرضاعته، هو الذي يطعمه ويسقيه ويأويه ويكسيه في جميع حياته.
}وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا{ فكلما أصابتك أخي الكريم نوبة تفكير في شيء يحزنك أو يقلقك مما تخاف وقوعه أو فاتك نيله، فأشعل فكرك بما ينفعك أو اذكر الله وأكثر من شكره واستغفاره وتسبيحه وتهليله يقذف في قلبك الطمأنينة والسكينة }أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{.
3- الحزن على الماضي والاهتمام بالمستقبل:
فإن الماضي بالنسبة للإنسان في حكم العدم، لا يمكن له رده أو
إرجاعه لذا فإن التفكر فيه والتحسر على فواته أو الحزن على أحداثه ووقائعه مدعاة للقلق والحزن ولا سبيل لدفعهما إلا بتجاوز الماضي بما فيه من أكدار وهموم، وإحياء الحاضر بصالح الأعمال.
ما مضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أ نت فيها
إنما هذه الحياة متاع
فالجهول المغرور من يصطفيها
ولذلك قال رسول الله e: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز وإذا أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل! فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»([1]) .
فاللبيب هو من يكون ابن يومه، ويعيش لحظاته لحظة بلحظة، ويدع الأسى والحزن على ما مضى، ولا يشغل باله بالحسرات الخاليات.
قال الشاعر:
وليس براجع ما فات مني
بـ (لهف) ولا بـ (ليت) ولا (لو أني)
وقال آخر:
ليت شعري وأين مني (ليت)
إن (ليتًا) وإن (لوًا) عناء
([1]) رواه مسلم.
من كتاب
دليلك إلى السعادة
المؤلف: أبو الحسن بن محمد الفقيه