لوحة "الجميلة والوحش" في متحف برمنغهام (مواقع التواصل)
لا ينفصل الفن عن التاريخ ولا عن الحكايات، إذ دائما ما تعبر اللوحات عن الحياة وحكاياتها الحقيقية والخيالية، كانت شهرزاد الراوية الماكرة لحكايات ألف ليلة وليلة تستخدم قدرتها على تأليف حكايات آسرة كوسيلة لإطالة عمرها ليلة بعد ليلة، وضمن هذه الحكايات نجد حكايات تحولت إلى تراث إنساني عالمي، مثل حكايات "علاء الدين"، و"سندباد"، و"علي بابا والـ40 حراميا" وغيرها.
ضمن اللوحات التي تناولت شخصيات من الحكايات الخيالية نجد لوحة بعنوان شهرزاد للرسامة الفيكتورية صوفي أندرسون (1823-1903).
تظهر اللوحة شهرزاد وهي ترتدي ملابس من أقمشة ثمينة ومزينة بمجوهرات ذهبية، تبدو شخصية شهرزاد في اللوحة هادئة وواثقة وذات تعبير هادئ، كما تبدو اللوحة مختلفة بشكل كبير عن لوحات الفنانين الذكور الذين اختاروا رسم شخصيات نسائية من حكايات مختلفة تنتظر رجلا أو أميرا لإنقاذها.
تعتبر الفترة الفيكتورية هي الفترة التي ظهر فيها مزيد من الاهتمام بالأطفال كجزء من المجتمع بسبب التركيز على التجارب الشخصية للأشخاص، وتصوير الأطفال في جميع أحوالهم، لذلك زادت شعبية القصص الخيالية، وطبعت الحكايات الخيالية الفيكتورية في كتب فنية جميلة.
لوحة شهرزاد في معرض الفن الجديد في والسال بإنجلترا (مواقع التواصل)
تظهر أمثلة على جمال الرسوم التوضيحية لكتب الحكايات الخيالية في أعمال الفنان الإنجليزي جون ديكسون باتن (1860-1932).
قام باتن بعمل رسوم توضيحية للعديد من القصص الخيالية السلتية والإنجليزية، وحكايات من ألف ليلة وليلة، رسم رسوم قصص، مثل "سنو وايت" و"الأقزام السبعة" و"الأميرة النائمة"، لكن تبقى لوحة "الجميلة والوحش" من أجمل رسومه.
يظهر الوحش في اللوحة بشكل مختلف عما اعتدنا عليه وكأنه خليط من أكثر من حيوان، تقف أمامه الأميرة في رداء كلاسيكي تحيطها الزهور بألوان مختلفة، واللوحة بالكامل يغلب عليها إحساس يجعلها أشبه بحلم.
وعلى الرغم من زيادة شعبية القصص في القرن الـ19 فإن هذه الرسوم التوضيحية المعقدة لم تبدأ مع العصر الفيكتوري، فالعديد من القصص التي نعرفها اليوم تعود إلى القرن الـ17، بما في ذلك مجموعتان من أشهر المجموعات وهما حكايات الأخوين غريم، وبعدها حكايات هانز أندرسن.
وبالعودة إلى مصطلح "اللوحات الخيالية" فإنه يمكن تعريفها بأنها النوع الذي يعرض الجنيات ومشاهد من الحكايات الخيالية، ورغم أن هذا النوع من الرسوم يبدو أنه موجه للأطفال لكنه جذب الكثير من الفنانين البالغين ودفعهم للتجربة.
وبالنظر إلى الحكايات الخيالية بعمق نجد أنها لم تكن موجهة للأطفال فقط، أو ربما لم تكن موجهة للأطفال من الأساس، حيث تحكي القصة على أكثر من مستوى، نجد أن النسخ الأصلية من حكايات الأخوين غريم شديدة الكآبة، حيث إن الحكايات الخيالية مكان ملائم لإظهار الأفكار الغرائبية والمظلمة.
من أشهر الحكايات الخيالية التي رسمت بأكثر من رؤية لأكثر من فنان حكاية "الأميرة النائمة"، لكن تبقى لوحات الفنان الروسي ليون باكست (1866-1928) من أجمل اللوحات التي عبرت عن الحكاية بشكل كامل.
اعتمد باكست على مهاراته كرسام ومصمم أزياء مسرحية، وقرر رسم 7 لوحات عن القصة وليس مجرد مشهد واحد فقط، كل لوحة غنية بالتفاصيل الدقيقة الرائعة التي تغرق المشاهد في أجواء الحكاية.
أحد أجمل ما يميز اللوحات التي تمثل مشاهد من الحكايات الخيالية أنها طريقة للهروب من الحياة الواقعية إلى عالم يكون كل شيء فيه ممكنا، يترك الفنان نفسه للخيال الخرافي والهارب دون أي قيود.
لوحة "الأميرة النائمة" للفنان الروسي ليون باكست (مواقع التواصل)
أحد أهم الأسباب التي جعلت عالم هاري بوتر آسرا للكثيرين من أعمار مختلفة هو أنه قام بوصف جيد للعالم الخيالي، وهو التأثير نفسه الذي يقوم به الرسم لكن بشكل بصري.
وأغلب القصص الخيالية تتشابه بشكل ما وتسير على نفس النهج: فتاة صغيرة تتأرجح على أعتاب مرحلة البلوغ، تتلقى تحذيرا بعدم الابتعاد عن المسار المخصص لها، أو المخاطرة مع ذكر ما، ومن هنا تبدأ المغامرة، حيث يوجد في كل حكاية نوع من الكوميديا القاتمة التي يحاول الكتاب تخفيفها لتناسب الحكاية الأطفال.
لوحة أخرى "للأميرة النائمة" للفنان ليون باكست (مواقع التواصل)
لم يتوقف سحر الحكاية الخيالية على الزمن الماضي، لكنه استمر إلى يومنا هذا، ويظهر ذلك في النجاح الهائل الذي حققته عروض مثل "صراع العروش"، إنها الطريقة التي نجلب بها القليل من السحر إلى حياتنا ونخرج عن المألوف، واللوحات مثل الحكايات تنقلنا إلى عالم وزمن آخر دون أي تقييد بالواقع الذي نعيشه.
