مساحة الامبراطورية الشاسعة ذات الكثافة السكانية العالية -بحسب معايير ذلك الزمن- كانت تضم العديد من المجموعات العرقية المتنوعة، مثل اللاتينيين والكلت واليونانيين والسلاف والشرق أوسطيين والمغاربيين، إلى جانب سكان مصر الفرعونية الذين تمتد حدودها الجنوبية نحو أفريقيا. وبالتالي فإن الرومان شكلوا إمبراطورية متنوعة بفضل الغزو والهجرة.
نقش عتيق يظهر المنتدى الروماني بمركز مدينة روما القديمة حيث كانت تقام الاحتفالات والخطب (غيتي)
في الوقت الذي يؤكد فيه أنصار تيارات اليمين العنصري -التي تؤمن بالتفوق العرقي الأبيض- وجود أسلاف من "العرق الأبيض النقي" للأوروبيين، أظهرت اختبارات جينية لبقايا المستوطنين القدامى أن أوروبا القديمة تكاد تكون بوتقة انصهار لهجرة سلالات الأسلاف من أفريقيا والشرق الأوسط وروسيا الحالية.
وأظهرت كشوف وبحوث جينية أن أسلاف الأوروبيين الذين يعيشون على الأراضي الأوروبية اليوم جاؤوا قبل آلاف السنين من أماكن غير أوروبية، وجلبوا معهم -عبر ثلاث موجات هجرة رئيسية- الفن والموسيقى والزراعة والمدن والخيول المستأنسة وابتكار العجلة-وربما مرض الطاعون، وحملوا جذور اللغات الهندية الأوروبية التي يتم التحدث بها في معظم أنحاء القارة العجوز حالياً.
ويقول الكاتب جون بول فريتز -في تقرير نشرته صحيفة "نوفال أوبسرفاتور" الفرنسية- إن سكان مملكة بروتانية غرب أوروبا (شمال غرب فرنسا الحالية) كانوا ينتمون إلى عرق الكلت وثقافتهم، قبل أن تصل فيالق جيوش القيصر وتضع حداً للغتهم وانتشارهم.
ولكن هذه الفيالق، كما هو الحال في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية، جلبت معهم التنوع العرقي الذي لم يكن معروفاً في فرنسا آنذاك، واندمجت بروتانية في هذا العالم الروماني مما فتح الباب واسعاً أمام قدوم المسافرين والتجار والتنوع الثقافي.
ويشير الكاتب إلى وجود العديد من الأدلة، من التاريخ والآثار وعلوم التشريح، حول وجود رومانيين ينحدرون من عديد العرقيات غير الأوروبية، منذ قرون عديدة. إذ إن مجموعة من الباحثين البريطانيين، من مركز علم الآثار البيولوجية التابع لمتحف لندن، تمكنوا من إثبات أصول 22 من الجثث الموجودة في مقبرة جنوب العاصمة الإنجليزية تم دفنهم خلال الفترة بين القرنين الثاني والرابع ميلادي. وقد بينوا أن نصف هؤلاء من المهاجرين، حيث إن أربعة منهم من أصول أفريقية، واثنين من أصول آسيوية، وخمسة من حوض البحر الأبيض المتوسط.
وكانت بريطانيا رومانية منذ منتصف القرن الأول وحتى القرن الخامس الميلادي.
رسم توضيحي من القرن 19 لملعب روماني قديم لسباق العربات الحربية ومكان للترفيه في روما (غيتي)
ويضيف الكاتب أن هذه المساحة الشاسعة ذات الكثافة السكانية العالية -بحسب معايير ذلك الزمن- كانت تضم العديد من المجموعات العرقية المتنوعة، مثل اللاتينيين والكلت واليونانيين والسلاف والشرق أوسطيين والمغاربيين، إلى جانب سكان مصر الفرعونية الذين تمتد حدودها الجنوبية نحو أفريقيا. وبالتالي فإن الرومان شكلوا إمبراطورية متنوعة بفضل الغزو والهجرة.
هذه الإمبراطورية الرومانية لم تكن لها حدود. وقد وصل عدد سكان مدينة روما إلى مليون ساكن منذ نهاية القرن الأول، وهو ما كان يعتبر رقما ضخما جدا، في عالم لم يتجاوز عدد سكانه حينها 200 مليون.
وكانت الفيالق العسكرية الرومانية تمثل نماذج حقيقية عن هذه الإمبراطورية التي ساهمت في تعزيز التنوع الثقافي، باعتبار أن المحاربين بهذه الفيالق كانوا يستقرون في مناطق بعيدة ويتزوجون ويستقرون فيها.
وهؤلاء المحاربون لم يكن يتم تجنيدهم من سكان مدينة روما فقط، بل من شتى أرجاء الإمبراطورية وحتى من خارجها، ويعني ذلك أن المجندين كانوا يأتون من بلاد الغال (اسم روماني لمنطقة الشعوب الكلتية شمال إيطاليا وفرنسا وبلجيكا الحاليين) ومن إسبانيا وموريتانيا ومنطقة المغرب المعروفة حينها باسم نوميديا، ومن سوريا وفلسطين وبالطبع من مصر.
ويشير الكاتب إلى أن مصر على وجه التحديد كانت لها مساهمة كبيرة في زيادة عدد سكان الإمبراطورية الرومانية، وذلك بفضل التحالفات والهجرة على مدى القرون. كما تدفقت على هذه الإمبراطورية أعداد من الأناضوليين من المنطقة المسماة حاليا تركيا، ومن النوبيين من أفريقيا، والليبيين، وسكان الممالك الموجودة في لبنان وسوريا، وحتى من بلاد ما بين النهرين، وكل هؤلاء أصبحوا من الرومان.
كان الرومان زمن تأسيس إمبراطوريتهم يشبهون اليونان واللبنانيين والسوريين والقبارصة.. الصورة لاحتفال عام 2016 (غيتي)
وأشارت نتائج هذه الأبحاث إلى أن سكان أوروبا خلال العصر الحجري الحديث ينحدرون من الأناضول، وهنالك آخرون يحملون جينات الفلاحين الإيرانيين والصيادين القوقاز. وخلال العصر الحديدي حمل السكان جينات النوميديين القادمين من أوروبا الوسطى. أما في مرحلة الإمبراطورية الرومانية، فإن أغلب الأصول الجينية التي تم تحديدها تعود إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتعتبر مارجريت أنتونيو، قائدة هذا الفريق من الباحثين، أن الرومان خلال فترة تأسيس إمبراطوريتهم العظيمة كانوا يشبهون إلى حد كبير اليونانيين والمالطيين والقبارصة واللبنانيين والسوريين.
ويرى الكاتب أن هذه الغلبة للجينات الشرق أوسطية ظهرت عندما كانت الإمبراطورية الرومانية في أوجها، مقابل قلة ممن يحملون جينات من غرب أوروبا، وسببها على الأرجح أن المناطق الواقعة شرق الإمبراطورية الرومانية كانت فيها الكثافة السكانية عالية، أما منطقة غرب المتوسط فقد كانت على العكس من ذلك.
وينقل عن رون بنهاسي، أستاذ الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة فيينا، والمشارك بهذه الدراسة الأميركية، قوله "إن المعطيات التاريخية والأثرية تخبرنا بكثير من المعلومات حول التاريخ السياسي والاتصالات التي كانت تحدث بين مختلف المناطق، كحركات التجارة وتجارة العبيد على سبيل المثال. ولكنها تمنحنا معلومات محدودة حول التراث الجيني للشعوب".
ويعتبر تحليل الحمض النووي مصدرا جديدا وهاما لتعزيز فهمنا للتاريخ الاجتماعي وأصول الأفراد الذين شكلوا الإمبراطورية الرومانية في السابق.
نقش عتيق يظهر المنتدى الروماني بمركز مدينة روما القديمة حيث كانت تقام الاحتفالات والخطب (غيتي)
في الوقت الذي يؤكد فيه أنصار تيارات اليمين العنصري -التي تؤمن بالتفوق العرقي الأبيض- وجود أسلاف من "العرق الأبيض النقي" للأوروبيين، أظهرت اختبارات جينية لبقايا المستوطنين القدامى أن أوروبا القديمة تكاد تكون بوتقة انصهار لهجرة سلالات الأسلاف من أفريقيا والشرق الأوسط وروسيا الحالية.
وأظهرت كشوف وبحوث جينية أن أسلاف الأوروبيين الذين يعيشون على الأراضي الأوروبية اليوم جاؤوا قبل آلاف السنين من أماكن غير أوروبية، وجلبوا معهم -عبر ثلاث موجات هجرة رئيسية- الفن والموسيقى والزراعة والمدن والخيول المستأنسة وابتكار العجلة-وربما مرض الطاعون، وحملوا جذور اللغات الهندية الأوروبية التي يتم التحدث بها في معظم أنحاء القارة العجوز حالياً.
الإمبراطورية المتنوعة
كانت الأصول العرقية لسكان الإمبراطورية متنوعة أكثر بكثير مما يمكن أن نتخيله. وروما القديمة كانت عاصمة للتنوع في إمبراطورية مترامية الأطراف.ويقول الكاتب جون بول فريتز -في تقرير نشرته صحيفة "نوفال أوبسرفاتور" الفرنسية- إن سكان مملكة بروتانية غرب أوروبا (شمال غرب فرنسا الحالية) كانوا ينتمون إلى عرق الكلت وثقافتهم، قبل أن تصل فيالق جيوش القيصر وتضع حداً للغتهم وانتشارهم.
ولكن هذه الفيالق، كما هو الحال في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية، جلبت معهم التنوع العرقي الذي لم يكن معروفاً في فرنسا آنذاك، واندمجت بروتانية في هذا العالم الروماني مما فتح الباب واسعاً أمام قدوم المسافرين والتجار والتنوع الثقافي.
ويشير الكاتب إلى وجود العديد من الأدلة، من التاريخ والآثار وعلوم التشريح، حول وجود رومانيين ينحدرون من عديد العرقيات غير الأوروبية، منذ قرون عديدة. إذ إن مجموعة من الباحثين البريطانيين، من مركز علم الآثار البيولوجية التابع لمتحف لندن، تمكنوا من إثبات أصول 22 من الجثث الموجودة في مقبرة جنوب العاصمة الإنجليزية تم دفنهم خلال الفترة بين القرنين الثاني والرابع ميلادي. وقد بينوا أن نصف هؤلاء من المهاجرين، حيث إن أربعة منهم من أصول أفريقية، واثنين من أصول آسيوية، وخمسة من حوض البحر الأبيض المتوسط.
وكانت بريطانيا رومانية منذ منتصف القرن الأول وحتى القرن الخامس الميلادي.
رسم توضيحي من القرن 19 لملعب روماني قديم لسباق العربات الحربية ومكان للترفيه في روما (غيتي)
70 مليونا من السكان والفيالق
ويقول الكاتب إن ضخامة الإمبراطورية الرومانية أمر يمكن تخيله، حيث إنها كانت تمتد من سور هادريان شمال إنجلترا وحتى جنوب أسوان في مصر، ومن سواحل المحيط الأطلسي حتى مياه الخليج العربي. وكانت تضم على الأقل 70 مليون ساكن، أو ربما أكثر عندما كانت في أوجها.ويضيف الكاتب أن هذه المساحة الشاسعة ذات الكثافة السكانية العالية -بحسب معايير ذلك الزمن- كانت تضم العديد من المجموعات العرقية المتنوعة، مثل اللاتينيين والكلت واليونانيين والسلاف والشرق أوسطيين والمغاربيين، إلى جانب سكان مصر الفرعونية الذين تمتد حدودها الجنوبية نحو أفريقيا. وبالتالي فإن الرومان شكلوا إمبراطورية متنوعة بفضل الغزو والهجرة.
هذه الإمبراطورية الرومانية لم تكن لها حدود. وقد وصل عدد سكان مدينة روما إلى مليون ساكن منذ نهاية القرن الأول، وهو ما كان يعتبر رقما ضخما جدا، في عالم لم يتجاوز عدد سكانه حينها 200 مليون.
وكانت الفيالق العسكرية الرومانية تمثل نماذج حقيقية عن هذه الإمبراطورية التي ساهمت في تعزيز التنوع الثقافي، باعتبار أن المحاربين بهذه الفيالق كانوا يستقرون في مناطق بعيدة ويتزوجون ويستقرون فيها.
وهؤلاء المحاربون لم يكن يتم تجنيدهم من سكان مدينة روما فقط، بل من شتى أرجاء الإمبراطورية وحتى من خارجها، ويعني ذلك أن المجندين كانوا يأتون من بلاد الغال (اسم روماني لمنطقة الشعوب الكلتية شمال إيطاليا وفرنسا وبلجيكا الحاليين) ومن إسبانيا وموريتانيا ومنطقة المغرب المعروفة حينها باسم نوميديا، ومن سوريا وفلسطين وبالطبع من مصر.
ويشير الكاتب إلى أن مصر على وجه التحديد كانت لها مساهمة كبيرة في زيادة عدد سكان الإمبراطورية الرومانية، وذلك بفضل التحالفات والهجرة على مدى القرون. كما تدفقت على هذه الإمبراطورية أعداد من الأناضوليين من المنطقة المسماة حاليا تركيا، ومن النوبيين من أفريقيا، والليبيين، وسكان الممالك الموجودة في لبنان وسوريا، وحتى من بلاد ما بين النهرين، وكل هؤلاء أصبحوا من الرومان.
كان الرومان زمن تأسيس إمبراطوريتهم يشبهون اليونان واللبنانيين والسوريين والقبارصة.. الصورة لاحتفال عام 2016 (غيتي)
روما عاصمة شرق أوسطية
يذكر الكاتب أن فريقا من الباحثين من جامعة ستانفورد الأميركية تمكن خلال العام الماضي من تحليل الحمض النووي لمجموعة من الرفات التي عثر عليها في مقابر بالعاصمة الرومانية القديمة. وقد توصلوا إلى رسم الخريطة الوراثية لـ 127 شخصا من 29 موقعا مختلفا، لتكوين صورة واضحة حول أصول سكان المنطقة التي أقيمت عليها هذه الإمبراطورية، ليس فقط خلال فترة وجودها بل على مدى 12 ألف عام من عمر البشر في المناطق التي وجدت فيها.وأشارت نتائج هذه الأبحاث إلى أن سكان أوروبا خلال العصر الحجري الحديث ينحدرون من الأناضول، وهنالك آخرون يحملون جينات الفلاحين الإيرانيين والصيادين القوقاز. وخلال العصر الحديدي حمل السكان جينات النوميديين القادمين من أوروبا الوسطى. أما في مرحلة الإمبراطورية الرومانية، فإن أغلب الأصول الجينية التي تم تحديدها تعود إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتعتبر مارجريت أنتونيو، قائدة هذا الفريق من الباحثين، أن الرومان خلال فترة تأسيس إمبراطوريتهم العظيمة كانوا يشبهون إلى حد كبير اليونانيين والمالطيين والقبارصة واللبنانيين والسوريين.
ويرى الكاتب أن هذه الغلبة للجينات الشرق أوسطية ظهرت عندما كانت الإمبراطورية الرومانية في أوجها، مقابل قلة ممن يحملون جينات من غرب أوروبا، وسببها على الأرجح أن المناطق الواقعة شرق الإمبراطورية الرومانية كانت فيها الكثافة السكانية عالية، أما منطقة غرب المتوسط فقد كانت على العكس من ذلك.
وينقل عن رون بنهاسي، أستاذ الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة فيينا، والمشارك بهذه الدراسة الأميركية، قوله "إن المعطيات التاريخية والأثرية تخبرنا بكثير من المعلومات حول التاريخ السياسي والاتصالات التي كانت تحدث بين مختلف المناطق، كحركات التجارة وتجارة العبيد على سبيل المثال. ولكنها تمنحنا معلومات محدودة حول التراث الجيني للشعوب".
ويعتبر تحليل الحمض النووي مصدرا جديدا وهاما لتعزيز فهمنا للتاريخ الاجتماعي وأصول الأفراد الذين شكلوا الإمبراطورية الرومانية في السابق.