رقيقة وصادقة مع نفسها وحبها لفنها، فتوِّجت «دلوعة الشاشة العربية»، لتكون من الأساطير الخالدة،
رغم اعتزالها الحياة الفنية والعامة منذ عام 1986،
عندما قدمت آخر أغنياتها «خد بأيدي»، لتغادر المسرح، وتعلن قرارها بالاعتزال.
جاء ذلك بعد 39 عاماً من العمل قدمت خلالها 112 فيلماً و170 أغنية و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة.
اسمها الحقيقي، فاطمة أحمد كمال،
ولدت في 8 شباط (فبراير) عام 1931، في حيّ الحلمية الجديدة في القاهرة،
وترجع أصولها إلى محافظة الشرقية
فاطمة أحمد شاكر كما تقول شهادة ميلادها (8 فبراير 1931 ــ 28 نوفمبر 2017)،
أو «فتوش» كما يناديها المقرّبون منها في الوسط الفني، و«شوشو» كما يناديها أفراد عائلتها،
ابنة الثامنة قادها عشق شقيقتها الكبرى عفاف للفن إلى أن تقلدها،
وتقلد أيضاً ليلى مراد التي كانت مثلها الأعلى. لكن شقيقتها اعتزلت مبكراً،
واستمر تشجيع والدها الذي اتخذ موقفاً نقيضاً من شقيقتها عندما عبّرت له عن رغبتها في دخول عالم الفن. انتقلت «فتوش»
من مرحلة الطفولة الى النجومية، لتحمل اسماً جديداً «شادية». تعدّدت الروايات حول صاحب الاسم.
قيل إنه يوسف وهبي عندما كان يعمل في فيلم «شادية الوادي»، وقيل إنّه عبد الوارث عسر الذي لقّبها بـ«شادية الكلمات» لطريقتها المتميزة في نطق الجمل الحوارية، وقيل أيضاً إنه المخرج حلمي رفلة الذي اكتشفها كممثلة واختارها لتمثل فيلم «العقل في إجازة».
وقد شاركت في فيلمين قبل هذا الفيلم للمخرج محمد عبد الجواد؛ الأول «أزهار وأشواك» حيث ظهرت بشكل
عابر من دون أي حوار، ثم قامت بالغناء في فيلم «المتشردة» (1947). أعجب رفلة بصوتها ليدعوها إلى المشاركة في
«العقل في إجازة». لم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة. وكان والدها يرافقها في كل خطواتها. كان أحد مشاهد الفيلم أن يقوم الفنان محمد فوزي بتقبيلها. وعندما علم والدها، أوقف التصوير، وانصرف بها. لجأ محمد فوزي ــ منتج الفيلم يومها ـ إلى اتحاد النقابات الفنية شاكياً، ليأتي والد شادية ويشرح أسباب انسحاب ابنته من التصوير: «لن أسمح لأحد مهما كان أن يقبّل ابنتي». المفارقة أن أم كلثوم كانت أحد أعضاء اتحاد النقابات الفنية، وأيّدت وجهة نظر والد شادية، فوافق فوزي مجبراً على حذف المشهد.
شهدت الفترة من بداية شادية السينمائية (1947) حتى قيام ثورة يوليو (1952) مشاركتها في حوالى 42 فيلماً من مجموع 115 أدّت بطولتها، وكان آخر أفلامها «لا تسألني من أنا؟» (1984). في مرحلة ما قبل يوليو، أجادت أدوار الفتاة الدلوعة، ابنة الطبقة المتوسطة المغلوبة على أمرها، التي تبحث عن الحب. لكنها مع بداية الثورة تنتقل نقلة أخرى، متمرّدة على أدوار الدلع لتقدم شخصية الفتاة المقهورة. تشهد سنوات الثورة، تحديداً الستينيات، نضجها الفني، لتشارك في عشرات الأفلام التي تعبّر عن سنوات صعود الثورة، وانكساراتها وقضاياها الرئيسية. في «زقاق المدق» (عن رواية نجيب محفوظ) جسّدت دور حميدة التي حاول النقاد ربطها بمصر لحظة الاحتلال الإنكليزي. ثم لعبت دور «نور» في «اللص والكلاب» (محفوظ) حيث جسّدت شخصية المومس، إلا أنها كانت نقطة النور الوحيدة في حياة سعيد مهران، الذي خانه الجميع. كانت هي النور وسط غابة لا مكان فيها إلا للصوص والكلاب. وفي «شيء من الخوف»، أدّت دور فؤادة التي تتحدى الطاغية، وقوانينه وقراراته. يتزوجها غصباً، لكنها تقاوم طغيانه، وتفتح باب الأسئلة حول الأوضاع، ليثور عليه الجميع.
وفي «ميرامار»، جسّدت شخصية «زهرة»، الفتاة الريفية التي تحضر إلى الإسكندرية لتعمل في البانسيون، وتحتك بشخصيات من كافة أطياف اللحظة السياسة. كانت هي أيضاً، أو بدت رمزاً لمصر، التي تتعرض لأزمة لكنها غير قابلة للانكسار، وهو ما نجحت ملامح شادية وصوتها في تجسيده ببراعة.
هكذا كانت ترصد الجانب المظلم من تلك المرحلة السياسية، لكنها أيضاً لم تهمل جوانب أخرى في أفلامها التي بدت ساخرة مثل «مراتي مدير عام»، «نصف ساعة زواج»، «عفريت مراتي»...
كانت «ثورة يوليو» زمن صعود شادية. وعندما انتهت الثورة وبدأت إنجازاتها تتبدّد، اختفت شادية. وقفت للمرة الأخيرة على المسرح، غنّت الأغنية الدينية: «جه حبيبي وخد بإيدي» (1986) وقررت بعدها الاعتزال. قالت تبرّر قرارها: «آن الأوان لتلك المرحلة، وليكتفِ جمهوري ممّا قدمته له، لا أريد أن انتظر حتى تهجرني الأضواء. أريد أن أظل في ذاكرة الجمهور بأجمل صورة لي عنده». لم تخجل شادية من ماضيها الفني، كما فعلت كثيرات ممن اعتزلن الفن. لم تتاجر بقرارها. حافظت على صورتها. ظلّ صوتها صوت الشجن، بقدر ما هو أيضاً صوت الدلع وخفة الروح!
كان والدها مهندساً زراعياً، هاوياً للغناء يجيد عزف العود والبيانو. لذا تعلقت الطفلة فاطمة بالغناء، وكان الأب من الوعي والتفتح بحيث أسند إلى الفنان فريد غصن تعليم ابنته الغناء، وإلى الفنان عبد الوارث عسر تلقينها أصول مخارج الألفاظ وتدريبها على الإلقاء والتعبير الصوتي، ولم تخيِّب فاطمة ظنه في حسن التعلم، وأكملت مشوار شقيقتها عفاف إلى احتراف الغناء، بل فاقتها موهبة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد. تقدمت فاطمة إلى لجنة الاختبار في «استوديو مصر» عندما كان المخرج أحمد بدرخان يبحث عن وجه جديد. وحازت إعجاب اللجنة بعدما قامت بالغناء والتمثيل، لتصبح هذه الشابة شادية، وتقدم للسينما ما يقرب من ١١٨ فيلماً إلى جانب مشوار غنائي احترافي على التوازي. ولعل شادية المثل الحيّ على عدم صحة عبارة «صاحب بالين كداب»، فقد برعت في كلا المجالين على حد سواء، وإن لم تكن الجودة واحدة في ذات الوقت.
خلد بليغ صوتها بروح الفولكلور حينما خلق له «الحنة يا قطر الندى» و«آه يا اسمراني اللون» و«سلامة سلامة» وغيرها مما استقاه من روح التراث المصري الصعيدي، وهو المنطقة المفضلة لديه التي يشتبك معها بشكل متكرر في مختلف ألحانه للمغنين المصريين.
في 1986، قررت شادية الاعتزال والانسحاب من الساحة الفنية. تزامن هذا مع أدائها لأغنية «خد بايدي» في الاحتفال بالليلة المحمدية. وعلى الرغم من اختلاف تفسيرات أسباب الاعتزال وتطرقها المؤذي لتفاصيل شخصية حياتية، إلا أن شادية موجودة بإنتاجها الموسيقي والسينمائي الغزير المثير للخلاف.
رغم اعتزالها الحياة الفنية والعامة منذ عام 1986،
عندما قدمت آخر أغنياتها «خد بأيدي»، لتغادر المسرح، وتعلن قرارها بالاعتزال.
جاء ذلك بعد 39 عاماً من العمل قدمت خلالها 112 فيلماً و170 أغنية و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة.
اسمها الحقيقي، فاطمة أحمد كمال،
ولدت في 8 شباط (فبراير) عام 1931، في حيّ الحلمية الجديدة في القاهرة،
وترجع أصولها إلى محافظة الشرقية
فاطمة أحمد شاكر كما تقول شهادة ميلادها (8 فبراير 1931 ــ 28 نوفمبر 2017)،
أو «فتوش» كما يناديها المقرّبون منها في الوسط الفني، و«شوشو» كما يناديها أفراد عائلتها،
ابنة الثامنة قادها عشق شقيقتها الكبرى عفاف للفن إلى أن تقلدها،
وتقلد أيضاً ليلى مراد التي كانت مثلها الأعلى. لكن شقيقتها اعتزلت مبكراً،
واستمر تشجيع والدها الذي اتخذ موقفاً نقيضاً من شقيقتها عندما عبّرت له عن رغبتها في دخول عالم الفن. انتقلت «فتوش»
من مرحلة الطفولة الى النجومية، لتحمل اسماً جديداً «شادية». تعدّدت الروايات حول صاحب الاسم.
قيل إنه يوسف وهبي عندما كان يعمل في فيلم «شادية الوادي»، وقيل إنّه عبد الوارث عسر الذي لقّبها بـ«شادية الكلمات» لطريقتها المتميزة في نطق الجمل الحوارية، وقيل أيضاً إنه المخرج حلمي رفلة الذي اكتشفها كممثلة واختارها لتمثل فيلم «العقل في إجازة».
وقد شاركت في فيلمين قبل هذا الفيلم للمخرج محمد عبد الجواد؛ الأول «أزهار وأشواك» حيث ظهرت بشكل
عابر من دون أي حوار، ثم قامت بالغناء في فيلم «المتشردة» (1947). أعجب رفلة بصوتها ليدعوها إلى المشاركة في
«العقل في إجازة». لم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة. وكان والدها يرافقها في كل خطواتها. كان أحد مشاهد الفيلم أن يقوم الفنان محمد فوزي بتقبيلها. وعندما علم والدها، أوقف التصوير، وانصرف بها. لجأ محمد فوزي ــ منتج الفيلم يومها ـ إلى اتحاد النقابات الفنية شاكياً، ليأتي والد شادية ويشرح أسباب انسحاب ابنته من التصوير: «لن أسمح لأحد مهما كان أن يقبّل ابنتي». المفارقة أن أم كلثوم كانت أحد أعضاء اتحاد النقابات الفنية، وأيّدت وجهة نظر والد شادية، فوافق فوزي مجبراً على حذف المشهد.
شهدت الفترة من بداية شادية السينمائية (1947) حتى قيام ثورة يوليو (1952) مشاركتها في حوالى 42 فيلماً من مجموع 115 أدّت بطولتها، وكان آخر أفلامها «لا تسألني من أنا؟» (1984). في مرحلة ما قبل يوليو، أجادت أدوار الفتاة الدلوعة، ابنة الطبقة المتوسطة المغلوبة على أمرها، التي تبحث عن الحب. لكنها مع بداية الثورة تنتقل نقلة أخرى، متمرّدة على أدوار الدلع لتقدم شخصية الفتاة المقهورة. تشهد سنوات الثورة، تحديداً الستينيات، نضجها الفني، لتشارك في عشرات الأفلام التي تعبّر عن سنوات صعود الثورة، وانكساراتها وقضاياها الرئيسية. في «زقاق المدق» (عن رواية نجيب محفوظ) جسّدت دور حميدة التي حاول النقاد ربطها بمصر لحظة الاحتلال الإنكليزي. ثم لعبت دور «نور» في «اللص والكلاب» (محفوظ) حيث جسّدت شخصية المومس، إلا أنها كانت نقطة النور الوحيدة في حياة سعيد مهران، الذي خانه الجميع. كانت هي النور وسط غابة لا مكان فيها إلا للصوص والكلاب. وفي «شيء من الخوف»، أدّت دور فؤادة التي تتحدى الطاغية، وقوانينه وقراراته. يتزوجها غصباً، لكنها تقاوم طغيانه، وتفتح باب الأسئلة حول الأوضاع، ليثور عليه الجميع.
وفي «ميرامار»، جسّدت شخصية «زهرة»، الفتاة الريفية التي تحضر إلى الإسكندرية لتعمل في البانسيون، وتحتك بشخصيات من كافة أطياف اللحظة السياسة. كانت هي أيضاً، أو بدت رمزاً لمصر، التي تتعرض لأزمة لكنها غير قابلة للانكسار، وهو ما نجحت ملامح شادية وصوتها في تجسيده ببراعة.
هكذا كانت ترصد الجانب المظلم من تلك المرحلة السياسية، لكنها أيضاً لم تهمل جوانب أخرى في أفلامها التي بدت ساخرة مثل «مراتي مدير عام»، «نصف ساعة زواج»، «عفريت مراتي»...
كانت «ثورة يوليو» زمن صعود شادية. وعندما انتهت الثورة وبدأت إنجازاتها تتبدّد، اختفت شادية. وقفت للمرة الأخيرة على المسرح، غنّت الأغنية الدينية: «جه حبيبي وخد بإيدي» (1986) وقررت بعدها الاعتزال. قالت تبرّر قرارها: «آن الأوان لتلك المرحلة، وليكتفِ جمهوري ممّا قدمته له، لا أريد أن انتظر حتى تهجرني الأضواء. أريد أن أظل في ذاكرة الجمهور بأجمل صورة لي عنده». لم تخجل شادية من ماضيها الفني، كما فعلت كثيرات ممن اعتزلن الفن. لم تتاجر بقرارها. حافظت على صورتها. ظلّ صوتها صوت الشجن، بقدر ما هو أيضاً صوت الدلع وخفة الروح!
كان والدها مهندساً زراعياً، هاوياً للغناء يجيد عزف العود والبيانو. لذا تعلقت الطفلة فاطمة بالغناء، وكان الأب من الوعي والتفتح بحيث أسند إلى الفنان فريد غصن تعليم ابنته الغناء، وإلى الفنان عبد الوارث عسر تلقينها أصول مخارج الألفاظ وتدريبها على الإلقاء والتعبير الصوتي، ولم تخيِّب فاطمة ظنه في حسن التعلم، وأكملت مشوار شقيقتها عفاف إلى احتراف الغناء، بل فاقتها موهبة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد. تقدمت فاطمة إلى لجنة الاختبار في «استوديو مصر» عندما كان المخرج أحمد بدرخان يبحث عن وجه جديد. وحازت إعجاب اللجنة بعدما قامت بالغناء والتمثيل، لتصبح هذه الشابة شادية، وتقدم للسينما ما يقرب من ١١٨ فيلماً إلى جانب مشوار غنائي احترافي على التوازي. ولعل شادية المثل الحيّ على عدم صحة عبارة «صاحب بالين كداب»، فقد برعت في كلا المجالين على حد سواء، وإن لم تكن الجودة واحدة في ذات الوقت.
خلد بليغ صوتها بروح الفولكلور حينما خلق له «الحنة يا قطر الندى» و«آه يا اسمراني اللون» و«سلامة سلامة» وغيرها مما استقاه من روح التراث المصري الصعيدي، وهو المنطقة المفضلة لديه التي يشتبك معها بشكل متكرر في مختلف ألحانه للمغنين المصريين.
في 1986، قررت شادية الاعتزال والانسحاب من الساحة الفنية. تزامن هذا مع أدائها لأغنية «خد بايدي» في الاحتفال بالليلة المحمدية. وعلى الرغم من اختلاف تفسيرات أسباب الاعتزال وتطرقها المؤذي لتفاصيل شخصية حياتية، إلا أن شادية موجودة بإنتاجها الموسيقي والسينمائي الغزير المثير للخلاف.