هل يُصدق أنه لم يمض 18 شهرا على هبوط طائرة الرئاسة الأمريكية في الرياض ليبدأ استقبال رسمي حافل؟
عندما اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية لتكون وجهته في أول جولة خارجية رسمية في مايو/ أيار من العام الماضي، كان غالبية السعوديين سعداء بهذا الاختيار. ولم يكن أغلب السعوديين يأبهون بالرئيس السابق باراك أوباما، إذ لم يكن يوما لديه اهتمام كبير بالشرق الأوسط، حسبما يرون، بالإضافة إلى اعتبارهم الاتفاق النووي بين قوى الغرب وإيران سيئا.
في المقابل، يرون أن ترامب شخص يمكن أن تُعقد معه الصفقات. فقد رفع القيود التي كانت مفروضة في عهد أوباما على مبيعات السلاح لتساعدهم في حرب اليمن، كما امتنع عن توبيخهم بشأن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى سعادته بعلاقة العمل بين صهره جاريد كوشنر وولي العهد السعودي، الرجل القوي، محمد بن سلمان.
وأعقب هذا زيارة ولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض، ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وهوليوود. كما قوبل بن سلمان بترحيب رسمي في لندن رغم الاحتجاجات التي نُظمت ضده، والتي رأت أن ضلوعه في الصراع في اليمن يزيد من وطأة المأساة الإنسانية هناك.
وفي داخل السعودية، يشيد دبلوماسيون غربيون بما يقوم به بن سلمان من إصلاحات، باعتبارها متنفسا طال انتظاره. فقد رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، وأعاد محافل الترفيه العامة، مع الحد من سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي الوقت نفسه، أعلن بن سلمان خططه الطموحة الهائلة لإنهاء عهد اعتماد اقتصاد السعودية على عائدات النفط، وذلك من خلال إنشاء مدينته المستقبلية، وهي منطقة استثمارية تجارية وصناعية بتكلفة 500 مليار دولار في الصحراء. وكانت السعودية تحت قيادة بن سلمان تخطو خطوات تقدمية واسعة، وفي مثل هذه الفترة من العام الماضي تسابقت دول العالم من أجل حضور تدشين "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض.
لكن الكثير من الأمور تغيرت. فقد ظهرت مؤشرات تحذيرية على أن بن سلمان ليس الإصلاحي الليبرالي الذي كان يظنه الغرب، وذلك حين احتجز العشرات من الأمراء وكبار رجال الأعمال في فندق فاخر العام الماضي، لاتهامهم بالفساد. كما احتجز سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، لفترة وجيزة وسط مزاعم بإجباره على الاستقالة. كما أمر باعتقال كل من يجرؤ على معارضة أجندة الإصلاح التي أعلنها، حتى لو كان هذا عبر تغريدة بموقع تويتر.
غير أن الاختفاء المريب للصحفي السعودي جمال خاشقجي، أبرز منتقدي بن سلمان، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول هو ما دفع حتى حليفه البارز ترامب إلى الحديث عن "عقاب شديد" إذا ثبت تورط الحكومة السعودية. وجاء رد فعل السعودية يوم الأحد الماضي بالتأكيد على أنها قادرة على الرد، مذكرة العالم بدورها الحاسم في سوق النفط..
واصطف كثير من السعوديين وراء قيادتهم، وذلك وسط تشجيع من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. وهناك حتى شائعات مفادها أن ما حدث في إسنطبول كان مؤامرة من قطر وتركيا لتشويه سمعة المملكة السعودية. لكن بصورة سرية، بدأ آخرون يتسائلون عما إذا كان بن سلمان، 33 سنة، تمادى في ما يفعل، وهو الرجل الذي نُظر إليه ذات يوم على أنه المنقذ صاحب الرؤية.
ولقد ورط بلده في حرب مكلفة ولا تبدو قابلة للربح في اليمن. كما أدخل السعودية في نزاع ضار مع جارتها قطر، وخلاف مع كندا حول حقوق الإنسان، واعتقل العشرات من المتظاهرين السلميين، مع تهميش عدد من أعضاء الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال. وربما دفع هذا بالمزيد من السعوديين المحافظين إلى الحنين إلى أوقات كانت أكثر هدوءا في تاريخ البلاد.