كلمات رديئة - ميثم راضي (قصائد نثر)

الإهداءات
  • غزل من من قلب الغزل ..:
    ضياءٌ شعَّ من أرض المدينة و زُفَّت البشرى لرسول الله (ص) بولادة سبطه الأول الإمام المجتبى (ع).✨💚
  • غزل من قلب الغزل:
    "يارب دائمًا اعطنّي على قد نيتي وسخر لي الأشخاص اللي يشبهون قلبي🌿✨. .
  • غزل من قلب الغزل:
    مارس الرحمة قدر المُستطاع فكلما تلطفت مع خلق الله زاد الله لطفهُ حولك.💐
  • غزل من قلب الغزل:
    اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعفو عنا ♥️😌


1578319141507.png


تلعثم

تُحاولُ الكلام...
مثل طفلٍ لم يعرفْ ناراُ أكبر من عود ثقاب.
وعليهِ الآن...
أن يصفَ غابةً كاملةً تحترق

**********************

الانتظار عند المصبّات

حدّادٌ غامض..
يطرقُ حَديدةَ الأيام على شكل سمكةٍ ثم يرميها في النبع
أنا وأهلي كنَّا عند المصبات، نحاولُ اصطيادها..
مُردَّدين أغنياتٍ قصيرةٍ، وحزينةٍ جداً، عن الحياة
وواقفينَ في قواربَ تبدو من بعيد وكأنها ابتسامةٌ خفيفةٌ...
على وجه الماء

**********************

حيلة قديمة

كان جدّي يجفَّفُ السنوات السعيدةَ...
ليستخدِمها في غير مواسمها.

**********************

النعاس في مجرة أخرى

أعرفُ ولداً...
هو الآن رجلٌ مجنون
عندما كنَّا صغاراً وجدنا خرزةً على الأرض
قال: هذه الخرزة سقطت من الله.. تعال لنعيدها له
لا بدَّ أنَّه يحتاجها ليصنع منها كوكباً بعيداً
وبقينا نرميها نحو السماء لمدة ثلاثة أيام.. ثم عدتُ أنا للبيت
وظل هو في العراء للأبد
كما الآن..
ألمحه أحياناً، وسخاً ومتعباً من الناس..
يُخرج الخرزة من جيبه ويحدق بها... ثم يستلقي على أي رصيف
وينام في مجرةٍ أخرى

**********************

المصادفة المستمرة

في إحدى الحروب التي كنتُ فيها لم أزل صغيراً..
كنتُ مولعاً بالعدّ
ومرة عاد أبي من القتال، فاكتشفت بأن عدد ثقوب جزمتهِ
العسكرية كان مساوياً لعمري وقتها
ولقد انتهتْ الحرب، وكبرتُ أنا
لكنني لم أزل مولعًا بالعدّ
وعمري الآن بالضبط بعدد ثقوب جزمات سريةٍ كاملةٍ من الجنود
الذين يذهبون لحربٍ جديدة.

**********************

مساؤى العد على الأصابع

في مدرسة بعيدة
وفي الصف الأول الأبتدائي ، طفلٌ لم يعرف العدد الذي يأتي بعد
الخمسة
قال للمعلمة : أبي لم يعلَّمني أرقاماً أكثر من الخمسة لأنه عاد لنا
بذراعٍ واحدة
في غرفة المديرة ...
صرخت المعلمة : لم يعد الحسابُ ممكناً في هذهِ الحرب التي
تأخذ السَّتةَ من الآباء

**********************

وردة

كان للقنفذين بنتٌ اسمها وردة
وكان ينمو على ساقها الشوك، كوصايا الوالدين
ويخطر ببالها العقوقُ على شكل مزهريات.

**********************

الحبكة المخصصة للولد الوحيد

كان من المفروض أن يُنجبَ أبي أولاداً أكثر ...
ولكنه لم يفعل
وتركني وحدي في هذا العالم وذهب
مرّةً ، رسمتُ أخي على سبورة المدرسة .. وتشاجرنا مع كل أولئك
الصغار الذينَ كانوا يضايقونني ...
رجعت أنا للبيت بكدمة على وجهي وظلَّ هو مُمدداً على السبورة
بعد أن قاموا بمحوِ قدميهِ...
شرحت لأمي ما حدث..
قالت : غداً سيكتب لكم المعلم على السبورة تمريناً... إذا عرفت
الحل سينهض أخوك
وهكذا صدقتها.. ونجحت.. نجحت كثيراً
ونسيت أخي... نسيت أنني وحدي في هذا العالم
وصار عندي أولاد و بنات ...
كلما ضايقهم أحد.. كتبتُ لهم تمريناً

**********************

تقمص

عندما ينتهي كل شيء
هل سيصنعون فلماً عنّا بعد خمسين سنة؟
فلماً، مثل إنقاذ الجندي رايان..
حيثُ تمتلئُ الشاشةُ بالجثث
ويسألنا أحفادنا: كيفَ نَجَوتم من كل هذا؟
ونقول لهم: مثل هذه الجثث في الفلم
كنا نقوم بعد أن ينتهي التصوير ونهب إلى بيوتنا..
فقط: أن الكثيرين منَّا عاشوا الدور للأبد

**********************

صهيل الدراجات العربية الأصيلة

مرّةً رأيتُ: دراجةٌ هوائيةٌ ملطَّخةٌ بالدماء...
نهضت لوحدها: مثل فرسٍ أصيلة
ثم بدأتْ تبحث خلال الدخان والأشلاء
عن الولد الصغير الذي كان يركبها.

**********************

زخة مفاجئة من الريش

في جنازة الولد الصغير
قلنا : ماهذا الريش ؟
رفع أبوه رأسه ومدَّ يدَّه في الهواء
التقطَ واحدةٌ ثم صاح : إنها كلمة حمامة التي تعلَّم نُطقّها منذ يومين
نَسِينا أن نُخرِجَها من فمهِ .

**********************

علاماتُ التفجيرِ الفارقة

قالت الروحُ الصغيرةُ بمرحٍ للملاك الذي كانَ يرافقُها:
ولكنْ، كيفَ عرفَ الله أنني من العراقِ، دونَ أن يسألني حتّى؟!
مدَّ الملاكُ يدَهُ ومسحَ خدَّ الروح…
رفعَ أصبعَهُ أمامَ عينيها وقال:
من السّخام يا صغيرتي.. من السّخام.

**********************

شجرة تخطط للهروب

قبل عشرين عامًا: كان عندي خطّةٌ للهروب من هنا
خطةٌ محكمةٌ حيث لن يشعر أحدٌ بغيابي
كل ليلة أفكر فيها وأراجع التفاصيل
كان يجب أن أضع في فراشي جذعاً مقطوعاً، لهُ نفْسُ طولي
ونحيفًا مثلي
ثم أغطيه ببطانيتي.. وأذهب
في الحقيقة أنا الآن لا أتذكر، هل نفّذتُ خطتي تلك أم لا؟
لكنني أخشى حقاً أن أكون قد نفَّذتُها...
وأن هذا الذي هو أنا والذي ينادونه بإسمي دائماً، مجرد جذع
مقطوع وجدته أمي في فراشي
واعتنى به أبي كولدٍ له
حتى كبُرَ وصار شجرة لها جذورٌ وأغصانْ
شجرةٌ: كلما غادرها عصفورٌ وطار بعيداً
خطَّطتْ مجدداً للهروب.

**********************

السفر كأغنية

لا أعرف ما هو هذا الشعور ..
ولكنه يشبه أنني أحسدهم بطريقةٍ مرحةٍ أولئك الأصدقاء الشعراء
الذين تمرُّ القطارات بمدنهم ويكتبون عنها...
لا توجد قطاراتٌ هنا، نحن نسافر بسيارات أمريكية.. صغيرةٍ وسريعة جداً
إنها أسرعُ من المجاز وأصغرُ من البلاغة... هذه السيارات لا تُكتب
عكس القطار الذي يبدو مثل نايٍ كبيرٍ في فم السكك: كل مسافرٌ هو ثقب
في البصرة قطار.. سافرتُ به مرَّةً واحدةً، ولكنني كنت أصغر من أن أشارك
في صناعة أغنية القطار..
ورغم ذلك أتذكر الجنود
الجنود على أرصفة المحطات لا يشبهون الجنود على الشارع...
كأنهم سقطوا من قصة حب في المحطة المباشرة، دون المرور بمكاتب التجنيد
الجنود عندما صعدوا إلى النايّ المتجهِ إلى بغداد تحولوا فجأة،
بمساعدة الأمهات الّلاتي وزّعْنَ عليهم الخبز والأدعية، إلى نوتاتٍ
عميقةٍ تجلس كل واحدةٍ في مقعدها ..

**********************

التاريخ بصيغته الأنثوية

لم نكن نعرفُ ما يعني امرأة.....
حتى جاءتْ لمدرستِنا مُعلَّمةُ تاريخ جديدة...
وبدأت تشرح لنا بسلام كل تلك الحروب التي كنَّا ندرسها..
وهكذا .. لم نمُتْ بالرماح ولا بالسيوف المذكورةِ في الفصل الأول
ولم تدهسنا الخيولُ التي كانت تركض في الصفحة ٣٤
والطائراتُ التي كانت تقصفُ في القسم الثاني من الكتاب: لم تُصِبنا
ولم يقع أيٌّ منا أسيراً ...: في كمائن الأسئلة حول تلك الحرب او تلك..
ولم نختنق في موضوع الهجمات الكيماوية : فالمعلَّمةُ قامت بتهوية الصف
حتى عندما أراد المدير: أن يشاهد بعض التلاميذ الموتى كدليل على التزامها بالمنهج
قامت هي بتهريبنا من النوافذ : ثم بكتْ علينا أمام المدير بأعتبارنا قد استشهدنا لفرط ما فهمنا الدروس...
ومشتْ في جنازاتنا، فقط لمجاراة المدير والمعاونين
قلنا لها بعد ذلك : ولكن كيف سنعود لبيوتنا ونحن موتى الأن
ضحكَتْ...
قالت: ستأتي معلمة دين جديدة للمدرسة...
وسأتفق معها: أن تُعيدكم للحياة في الدرس الذي يتحدث عن يوم القيامة...
وبقينا أحياءً للأبـد: حـتـى انتـهـت الـسـنـة

**********************

نعومة المغفرة السرية

وكنا ننسخ كتاب أخطائكِ ونوزّعهُ علينا: لكل واحد نسخة..
ثم نفترق لنطاردكِ: مثل كلاب الصيد وخلفنا الشوق على صهوة
جواد عربي لا يتعب...
ولكن الواحد منا حالما يقرأ: يتعاطف مع جمالكِ.. ثم يبدأ
بالمغفرة، صفحةً بعد صفحة
ويقرر أن يشعلَ ناراً: يُلقي فيها نسختهُ من كتاب أخطائكِ.. حتى
لا يتتبع أثركِ أحد
فطارت فراشاتٌ عبر اللَّهب من داخل الكتاب وحَطَتْ على
جسدهِ وروحهِ
كل واحدٍ منّا فعل ذلك بالسر...
وها نحن نخفي حروقنا عن بعضنا البعض عندنا نعود من
مطاردتكِ
كان كل واحدٍ منّا، يخشى على حروقه الغالية من سلامة الآخرين

**********************

سحب المعنى من تحت أنقاض اليوم

عندما يُربكُكِ ذلك السؤال عن معنى وجُودكِ
وكيف يمكن للانكسار أن يصبح نمطاً سرياُ للنجاة...
تذكّري
أن عشاقكِ كانوا مثل الورد البريّ
يطلعون من شقوق النصوص التي تدعو للقتال، تدوسهم
الجيوش فتتعطر الهزيمة
عشاقكِ الذين يسحبهم العالم من خندق صمودهم السّريّ، حفرة
أرواحهم وسقف جسدكِ
ويُلقي بهم كعمّال وموظَّفين لا وقتَ عندهم ليكتبوا لكِ رسالة حب
تذكري..
أنهم وللأبد يبحثون عنكِ في أحراش الكمبيوترات وفي متاهات
الساعة الثامنة صباحاً

**********************

خيطٌ طبّيّ

عندما كانتِ الشوارعُ: جُروحاً…
كانَ العُشّاقُ على جوانِبها، يعبُرون نحوَ بعضهِم مثلَ الغُرَز.

**********************

بسالة الكتابة عنكِ

- أنت تكتبُ عن الحب؟ أنت؟...
أنت يا دميةَ الفرحِ الرخيصةَ، والتي تعطبُ بسرعة
يا حزيناً مثل مشطٍ يحاول أن يسرَّحَ شَعَر الموتى
يا غُددَ اليُتمِ الواضحةَ في عُنقكَ كأب
يا جثثَ الأغاني الحزينةَ التي تحاولُ النهوض مبكّراً لتوقَّعَ في دفتر الوظيفة
يا وردةً تُزيّنُ صحناً مكسوراً في مطبخٍ تحت الأنقاض
يا عود أسنان هذه الليلةِ التي أكلتْكَ البارحة
يا قلباً متروكاً في العراء مثل بوصلة في يدِ مسافر مات من التَّيه
يا يوكالبتوسَ المقبرةِ الأخضرَ دائماً ..
يا صُفّارة الله التي ينظَّمُ بها ازدحامات العالم، ليتمكن الجميعُ من دهسِكَ
يا هروباً يتخذُ شَكلَ شَقةٍ تسيلُ مثل دمعةٍ على خدَّ القُرى التي أتيتُ منها
يا وحيداً مثل مصابيح أبراج الاتصالات الحمراء ..
يا رائحة إبط التاريخ..
يا جرحاً يشبه شرفة تطلُّ على بحرٍ بعيدٍ من الضمادات...
أنت تكتب عن الحب؟ انت؟؟؟؟؟؟

- نعم أنا...

**********************

كيف تفعل الأشياءَ المستحيلة باستخدامِ امرأةٍ واحدة

حينَ تكتبَ رقصةً ما: صوفيةً أم غجريةً .. لا يهم
ما يهمُّ الآن أثناء صرامة المعنى ، هو ذلك الدفق الصامت من
الأجساد
حيث يُحتمل أن يكون هو المعنى ذاتُهُ
حتى تترك ورقةَ الامتحان فارغةً عندما يكون السؤال عن الأوطان..
كأنك تقولَ أن البياضَ هو انتماءٌ أيضاً، لكنه لم يخطر ببال
المعلمين
حتى تقذف الصحراءَ بكل البذاءات الخضراء المكبوتة داخلك،
فتُثمرُ حصتكَ من الرّمل
حتى ترتب عظام أجدادك على هيئة باب ثمَّ تغادر
حتى تتقوس أمام متسولٍ يتكوَّرُ كما النقطة، فترسمان معاً علامة
أستفهام وسط المدينة
حتى تلتقط بمغناطيس الرّب نشارة اسمك المتكدسة على أرضية
ورش الوعظ...
حتى يحللك البكاء إلى ذنوبك الأولية عندما تجد نفسك فجأةً
مطالباً بتوحيد مقامك مع أعداد الموت الكسريَّة...
حتى تفعلَ ذلك كلُّ هذا...
تحتاج أن تحبَّ امرأةً حزينة اليقين وطازجة للشك
ذابلة الإتجاهات لكنها شهيةٌ: مثل نقطةٍ تنبعُ منها عبارةُ الخَلقِ..
وتعود إليها: منكسرةً لكن بليغةَ الرطوبةِ..
في ساقها خلخالٌ من اللهجات
تحبُّ الركض مع صمتك
غير مهتمةٍ أبداً بخيط العالم المشدود في طريقها مثل فخَّ..
والذي ستقطعه بأمواسِ لُهاثها
لتنفرط أنت: حباتٍ ومناقيَ تحت الأثاث وفي ممرات البيت
امرأة تشبهُ وقتاً مستقطعاً أثناء ما أنت تلعب لعبة الكآبة: تستغل
كل ثانيةٍ فيها لتستعيدَ أنفاسك

**********************

ثغرةٌ على مقام الصّّبا

ينمو قصبُ القبيلةِ حول سريركِ عالياً
فلا يراكِ أحدٌ ...
إلا الذين كانوا يتلصّصون عليكِ من ثقوب الناي

**********************

وجبةٌ متأخرةٌ للسيَّدة

هل تعلمين ...
ان هذهِ الثقوب التي احدثتها الحروب في قلبي
جعلته يشبه قطعة جُبنٍ..
اقدمها كُل ليلةٍ لفأر غوايتكِ
وانني كنت أدوسُ بأقدام الجنود عنبَ الصُراخ داخل روحي
لاصنع لكِ قنينةَ همسٍ كاملة
تشربينها كُلها في مكالمةٍ واحدةٍ...

**********************

لمسة

أنا اليابسُ...
الذي كلما عادت يدي منكِ: وجدتُ تحت أظافري غيمةً
وأنا الباردُ الذي يستعملُ غصناً شاباً من جسدكِ
لينبشَ رماد العالم: بحثًا عن الجمرة..

**********************

حركة

بطموحِ ندبةٍ تحاولُ أن تصبحَ شامةً ..
أقفُ وسط دخان العالم ..
معلَّقاً بخيط الاختناق مفتاحاً: لأصطاد ولو باباً واحداً
أفتحه، فأجدكِ خلفه...
عاريةً إلا من قلادةٍ تتدلىّ منها: رئة
وقميصكِ مرميٌّ على الأرض: كأنه تضاريسٌ من الحرير
أنظرُ نحوه من بعيد: وأُشاهدُني أنزلقُ فوقهُ
وأخفتي في أحدى طيّاته مثل فيلسوفٍ يدخلُ كهفاً
وهو يفكرُ بالأمكنة التي يجب أن يقبَّلكِ فيها بالضبط
لينسفكِ مثل جسر..
فلا يعبرُ أحدٌ خلفه

**********************

نبرة مشمسة

لفرطِ ما قالوا اسم أبي وهم يبكون ..
ظنتتهُ يُلفظ هكذا دائماً: مبللّاً
حتى صرتُ عاشقاً : ونشرتُه على حبالِ صوتكِ ليجفَّ ..
ثم جلستُ عارياً : أنتظر ذلك .

**********************

عندما ينام كل شيء

أنا من الذين يدلَّلون يأسهم من العالم:ككلب الحراسة...
أرمي له في بداية الليل لحم الضّحك.. وأنتظر
حتى يشبعَ وينام
ثم أتسلَّلُ إلى صدري: مثل اللصوص
وأخرجكِ من هناك بكلَّ هدوء، تحفةً من الأمل .

**********************

مصالحة

صنعتكِ من أخطائي ثم أحبَبتكِ.. كأني أبرَّرني

**********************

الركض مع الذئاب التي تطاردكِ

لستُ مرئياً كما يجب لأحبكِ في النهار
مثل ذئبٍ يُخفي جيداً، أنَّه نباتي، عن بقية الذئاب
ها هو يركضُ معهم صامتاً
ثم يموتُ من الجوع على اعتاب الفريسة

**********************

سيد النسخات الرديئة

هو الذي ربط جرحه بخيط جسدكِ، كثقَّالةٍ، ثم قاس استقامة العالم..
هو الذي هز حصَّالة اليُتمِ، فرنّتْ في روحه الوحدة: كعُملةٍ.. ثم
دخل دكان أسمائكِ ليشتري حرف نداء
هو الذي احتطب من شجرة العائلة، ما يمكن من العصافير، ليصنع لكِ أغنيةً
هو الذي جمعكِ: ريشةً ريشةً، ثم ربط بساقكِ رسالة حب وأرسلها لنفسه
هو الذي ربىّ أخطائكِ كحلولٍ جذرية
هو الذي لعقَ كل أملاح الليل: ثم قال لكِ أن السهر حلوى ..
هو الذي طلى وجه حزنه وصعد نحوكِ مثل ضحكة
هو الذي كان يخلط فكرتكِ عن الله بالريحان ليدهن بها حروقهُ
هو الذي يعرف التعبير عن الماء بحجر
هو نفسه لايعرفُ الآن : ماذا يكتبُ لكِ...

**********************

كيف تكب رسالة حب بسكينة

انا البقرةُ التي تطردُ بذيلها الذباب عن دم عجلها الذي يقطرُ من
خطّاف القصَّابين...
أنا الذبابةُ التي طارت خارج دكان الجِزارة وحطّتْ على الوردة..
فتحرك العطر
أنا العطرُ الذي شمَّه القصابُ في اللحظة التي كان يكلف بها كَبد
العجل بورق الجريدة
فأستطاع أن يلمحَ قصيدة حبًّ منشورةٍ هناك
أنا القصاب الذي يحاول أن يكتب مثلها ..
متناسياً للأبد: كيف تُذبحُ البقرة

**********************

النوم معكِ في غرفة بابها مفتوح

لقد نمتُ في بداية الحرب.. وحلمتُ بكِ
تزوجتكِ هناك وأنجبنا أولاداً
كانوا يتركوننا ويذهبون نحو الحرب التي لا تنتهي
آه..
أنتِ غاضبةٌ مني..
لأنني غفوت وتركت باب الأحلام مفتوحاً

**********************

آنية الحذر

أنا لا أتعمد أن أعذِّبكِ عندما أكسر حياتي ..
وأطلب منكِ أن تجمعيها
أنا فقط أريد أن أراقبكِ وأنتِ تلتقطيني: شظيةً بعد شظية
وأريد أن أشعر بالأمان عندما تقولين لي: يمكنك أن تمشي حافياً الآن.

**********************

مهمتكِ الدائمة

أخبريني دائماً، أن كلَّ شيءٍ على مايرام...
حتى لو عدتُ لكِ بذراعٍ واحدةَ ونسيتُ الأخرى تكتبُ عن رجلٍ يدفنُ طفلته..
أخبريني أنها لم تمُت وأنَّ الرجلَ كان يحفر بركةً في القصيدة..
ثم أخرجي من شفتيكِ سمكتين أو ثلاثة وأرميها هناك
واستخدمي ذراعي التي تكتب لنصطاد ولو كلمةً، للرجل الذي
جاء ضيفاً من الحجاز
أخبريني أن كلَّ شيءٍ على مايرام
حتى لو صرتُ أعمى وتعثرتُ بجثة الطفلة في الصالة
صيحي من المطبخ: لقد نسيت أن أخبرك اننا غيّرنا مكان الطاولة
أعرف أنكِ لمّا تكذبين يفضحُكِ وجهكِ
لكن هذا لا يهم، اكذبي حباً بالله: فأنا أعمى الآن
وعندما أستغرب ملمس الدم على وجهي، أخبريني أني أنا الذي نزفتُ كثيراً
وأنني أحتاج أن تخيطي ليَ الجرحَ
هكذا سأتحسس الندبة وأنا حاقدٌ على الطاولة وليس على البلاد
أخبريني دائماً أنني لن أموتَ بسبب هذا الجرح
اخترعي أيَّةَ قصةٍ وسأصدقكِ
قولي: أن الملائكة هالهم جمالكِ فكتبوا وهم مخدّرين في خانة عمري : أنّهُ طويلٌ جداً
وكانوا يقصدون شعركِ
حتى لو صرتُ كئيباً لأنني لا أملك الكثير من الحزن الجيد للأيام القادمة
إخبريني أنكِ سيدةٌ مدبَّرة وأننا سنعبر هذه الأزمات
أخبريني أن كلَّ شيءٍ على مايرام
حتى لو لم تتخذُ الأبواب شكل عينٍ عندما أحتاج أن أخرج منها
كدمعة...
أخبريني أن الأبواب مجرَّد مستطيلات غبية وأنكِ ستنتظريني
خلفها كخَدّ
حتى لو أدخلتُ عليكِ الموتى في الليل لغاية سريركِ
قولي لي: لا بأس فأنا أرملتكم جميعاً
حتى لو أفترقنا
أخبريني أنكِ ستُدرَّين غيابكِ قبل أن تذهبي
على أن يتصرف معي: كامرأةٍ تخبرني دائماً أن كلَّ شيءٍ على ما يرام..

**********************

اكتشاف النار بطريقة أخرى

خذ أيَّ ضحكتين يابستين، ثم ادعك إحداهما بالأخرى...
وحالما يتصاعدُ منهما الدخان...
ضع عليهما من قشَّ العائلة الجاف وأغصان الأصدقاء الصغيرة
والآن قرَّب وجهك من هذه الكومة: نافخاً عليها كل تلك الحسرات
السرِّية والآهات التي لم تغيَّر شيئاً
انفخ عليها بهدوء...
مراراً مراراً
هكذا تصنع ناراً: عندما يكون العالم بدائياً هكذا

**********************

ناقل الألم

أنت ضعيفٌ وهشٌّ وعاجزٌ وقبيح: مثل سنًّ منخورٍ في لثة
العالم...
لكنك مهمٌّ .
فعبرك يتسرَّب الألم: كُلّما عضَّ العالمُ أحداً ما...

**********************

أسرار الأب التي أنكشفت فجأة

مقابل كلُّ امرأةٍ أحبَّها وذهبتْ بعيداً: أنجبت ولداً لينساها...
عشرون عاماً وهو يفعل هذا
وهكذا.. صار عائلةً كبيرةً من النسيانِ
ولم نكن نعرفُ ذلك عنه
حتى أخذت الحربُ أولاده: وظَلَّ ينادي عليهم بأسماء الحبيبات

**********************

العائلة التي لا ينادي عليها أحد

أعرفُ عائلةً تملكُ أسماً واحداً فقط...
عندما أخذهُ أبوهم معه للقتال: جلسوا طوالَ فترةِ الحربِ لا ينادي
عليهم أحد...
ولمَّا عاد: كان أحد الحروف مُصاباً ..
بعد ذلك صارتْ أمهم تصطحبه معها دائماً للسوق: وتنساه
هناك في دفاتر البقالين والأفران
وعندما ترجعْ للبيت ويسألونها عنهُ
ترتب الطماطم والخبز على شكل الاسم
ثم يأكلونهُ...
ولا يبقى سوى بعض الفتات: متناثراً على الأرض
كهمسةٍ بعيدةٍ لا يسمعها أحد

**********************

دم الرحلة

لا تحدثهم عن أحزانك العميقة..
ولا تستخرج لهم من هناك : محّار روحك الصلب
فهم لن يفهموا لؤلؤَ نواياك
ولا تقل لهم: أنَّك ابن السرديات التي تنتهي بالأنتظار...
لا تشرح لهم: كيف أنَّك تطوّرت لتصبح لا أحد
لا تفسر لهم: كيف دهنت ساق العزلة بزيت المشي في الأحلام..
لن يدركوا: أن كلّ هذا التشنُّج: مرونة
لا تخبرهم عن أي شيءٍ يجعلهم يشكَّون بقدرتك على جرِّ عربةِ الحاجَّة..
يجب أن تجرَّها بسعادةٍ، وأبداً
لا تخبرهم أنَّ الطريقَ مسمومٌ: جد لك أيَّ جرحٍ ونظّفْ دم الرحلةِ بصمت

**********************

ستْر

ولقد كُنا نبحث عن قطعةِ حياةٍ: في بالة الموتى...
قلنا: لا يهمُّ حتى لو كانت بدون أزرارِ
أو رثّة قليلاً
لا يهمُّ.. حتى لو لم تكن على مقاسِنا
نحن أصلاً: سنرتديها داخل البيت فقط
فلقد صار مرعباً جداً أن نبقى عُراةً تماماً.. أمام أطفالنا

**********************

مراسلون داخل البيت

نحن عائلةٌ لا تتابعُ الأخبار...
نعلمُ بما يجري بعد يومين أو ثلاثة
عندما تسقطُ فجأةً من يد أمَّنا الصحونُ
وعندما يلعب الصغار بالسكاكين فتُجرح أصابعُهم
وعندما ينام أبونا واللفافةُ في يدهِ.. فتحترق الغرفةَ
وعندما تنسى أختي بابَ الثلاجةِ مفتوحاً: حتى يفسدَ الطعام
نحن عائلةٌ تعلمت أن تنظر لحوادثها الصغيرة: كتقاريرَ مفصلةِ عن العالم

**********************

الكتابة باليد اليسرى

للحظةٍ واحدةٍ تشعرُ أنَّك يجب أن تعدَّ نقودكَ بدلَ أن تعدَّ القتلى..
وأنَّك يجب أن تقارنَ ما يرتديه أطفالك مع ما أنفقتهُ من الوحدة كأبًّ
وأنَّك يجب أن تهبطَ على عائلتك مثل نسرٍ عائد للتوَّ من جدول اللامبالاة
وفي مخلبه سمكة..
بلحظةٍ واحدةٍ
تغلقُ الباب على يد الحزن اليمنى.. وتدخل لسعادتك المربَّعة...
معتقداً أن ذلك هو للأبد..
بينما الندمُ في الخارج يعلَّمُ الحزن كيف يكتب بيده اليسرى
مستخدماً كل تلك الجثث التي لم تعدها: كقصائدَ طويلةٍ عن غيابك

**********************

خَلْقٌ آخر

قال أبي : تعالوا سأزَّوجكم الليلة جميعاً...
ثم أخرج من جيوبه: مكعباتٍ كثيرةٍ من الطين الاصطناعيّ
وبدأ: يخلقُ لنا زوجاتٍ من كلَّ الأشكال...
حتى أخينا الذي مات قبل سنين كثيرة: خلق له أرملةً جميلةً وحزينة
وعلمنا في النهاية كيف ننامُ معهنّ
وقبل أن يُدخلنا عليهن...
سألناهُ : لماذا تفعلُ هذا يا أبي ؟
قال: أريدُ أحفاداً...
عندما تُقطعُ رؤوسهم: أستطيع تركيبها من جديد

**********************

رسائل الأثاث

قطع الأثاث الخشبية أيضاً تكاتب الغابة...
مثل أبناءٍ بعيدين يكاتبون أمهاتهم وحدها
الشجرةُ التي صنعوا من أبنها تابوتاً..
لا يصلها أيُّ بريد.

**********************

الوقوف كأبًّ

أيها الملاكُ المسؤولُ عن توزيع المفاصلَ...
امنح للفتاة التي سيُكتبُ لها أن تكونَ أرملةً : ركبةُ أبّ

**********************

حوض المصائب الكبير

ولقد كنتَ عذباً وعميقاً بما يكفي...
لنربيّ مصائِبنا داخلك: كأسماكٍ صغيرةٍ للزينة

**********************

الواحد

احفروا قبري بجرّافةٍ عندما أموت...
فما رأيتهُ يؤهلُني لأن أكون: مقبرةٌ جماعيةٌ لوحدي.

**********************

اغتصاب

سيارةُ إسعافٍ: تقطعُ أزرارَ الازدحام...
تذهبُ بعيداً
وتتركُ المدينةُ خلفَها: مفضوحةً ومرتبكة.. مثل سيدةٍ مزقوا قميصها

**********************

مبالغة صغيرة

انت تلك المبالغةَ الصغيرةَ التي ستحدثُ على أعداد الذينَ يسقطون الآن...
أنت تلك الثلاثةَ المضافةَ لسبعةِ عشرَ قليلاً مثلاً.. ليصبحوا عشرين
التاريخ يحبُّ الأعداد العشرية
الأعدادُ العشرية لها وقعٌ ساحر عندما يتعلق الأمر بالقتلى
أنت تلك الثلاثة الزائدةَ في نشرات الأخبار وتداولِ الناسِ للحادثة
الثلاثةُ التي لا زالتْ تعيش..
الثلاثةُ التي تشعرُ بالوحدة كثيراً..
الثلاثةُ الحزينةُ..
الثلاثةُ الخائفةُ..
الثلاثةُ التي تنهض في الصباح كلَّ يومٍ وتذهب للعمل

**********************

تدوير السيارات المفخَّخة

«ماذا يفعلون بالسياراتِ التي تنفجرُ بنا؟
أرجوك أخبرني أنهم لا يعيدون تدويرها في معامل الصلُّب والحديد..
أخبرني أنهم لا يحولونها إلى مساميرَ ستختلطُ بالمسامير الأخرى
وأننا لم نستخدمها لتثبيتِ أبواب الخزانات التي نعلق فيها ثيابنا..
أخبرني أنها ليست تلك المسامير التي تصدر أنيناً: كلما فتحنا باب الخزانة
لنختار قميصاً من أجلِ مناسبةٍ سعيدة

**********************

امتصاص

علينا الآن أن نخافَ حقاً...
فكلّ هؤلاء الآباء الذين سقطوا حتى هذه اللحظة لو يكونوا سوى
أسنان الحرب اللبنيَّة...
التي ستتركُ خلفها فراغاً في فم العائلة
وأنَّ الأبناء سرعان ما سيظهرون في تلك الفراغات
ممتصينَ كلَّ كالسيوم الكراهيةِ
لينبتوا في لثة الثأرِ: كضرسٍ دائميّ

**********************

انتشاء مقدس

هل رأيت خارطتنا؟...
وعليها كلُّ تلك النقاط الحمر والسود التي تمثل المدن والبلدات؟
إنها فقط: آثار الحقنة الربّانية.. على ذراعٍ مدمنة

**********************

تعويض

في الحقيقةِ أنا متُّ منذُ زمنٍ بعيد...
كنتُ متعباً وخائفاً وحزيناً طوال عُمري وهذا ما جعل الملائكةُ
فوق تُعيدني للحياة مرةً أُخرى..
قالوا: إنه مسكينٌ جداً... لنُعيدهُ إلى مكانٍ آخر غير تلك البلاد
التي جعلته هكذا
ولنجعله كلباً هذا المرة
لنجعله من تلك النوعية من الكلاب الصغيرة التي يقتنيها اﻻثرياء: حتئ يدلَّلونه جيداً
وهكذا...
أنا الآن ﻻ أشكو من شيء: سعيدٌ جداً برفقة هذه العائلة الطيبة
ﻻ أنبحُ على أحدٍ وﻻ يطاردني أحد.. ولست مسؤولاً عن حراسةِ شيء
أجلس مع العائله في الصالة: دافئاً وأشعر بالشبع...
ولكنني فجاةً...
وعندما يعرضون على التلفاز خبراً من البلاد التي متُّ فيها: أعوي
كذئبٍ كبيرٍ مجروح
وأسبَّبُ الهلعَ للجميع

**********************

لفافة طويلة جداً

الموتُ لا يعودُ إلى بيتهِ مباشرةً
إنهُ يستريحُ على الطريق كما نفعلُ نحن عندما نسافر
يضعُ كيسَ الأرواحِ التي يحملهُ بجانبهِ: ثمَّ يمدَّدُ قدميه ويبدأُ بالتدخين
الفترةُ التي يستغرقها لإكمال لفافتِهِ: هي تلك اللحظاتِ التي
نشعرُ فيها بأنَّ الموتى ما زالوا هنا

**********************

قطعة طين صغيرة

نحنُ الذين عشْنا لغاية الآن بعد كل هذه الحروب...
نملكُ من طينِ العمرِ ما يكفي
لنصنعَ النساء الصغيرات المولداتِ بعدنا: عشاقاً بعمرهنَّ
ونصنع موتى أيضاً: للأرامل القادمات
وأولاداً سِمان: للأمهات والآباء
ولن يبقّى منّا شيء...
سوى قطعٍ صغيرةٍ ولينةٍ، ستشكلها الأيام بسهولةٍ: كرجلٍ وحيد...

**********************

النجاة في العتمة

إذا رأيتنا يوماً: نركض في التقارير المصوّرةِ عن الحرب...
أغلقْ تلفازكَ أرجوك
ربما ستُخطئنا الرصاصةُ في شاشتك المعتمةِ على الأقل

**********************

على طول الأزرق

وعندما يأتي ذلك اليوم
الذي يجلس فيه قِبالتك ما لا تعرف ما هو: ويراقبك بعيونٍ تشبهُ عيونك
تجعلك تَظُنُّ: أنَّه جائعٌ
فتقوم بتقديمِ ساقكَ له ليأكُلها ..
وعندما ينهمكُ في ذلك
ثم يرفعُ رأسهُ نحوك ويرمُقُكَ بتلك النظرات التي لا تعني سوى:
أنَّ طَعمَ خطواتكَ لا يعجبهُ
عندما يأتي ذلك اليوم
أخبرهُ: أنَّها لم تكنْ رّحلةً
وأنك كنتَ تتمشى فقط على طول الأزرق...
من الكَدمةِ حتى السماء

**********************

الخروج من نسق الرمية

لقد كنتُ حجراً في السَّابق...
في جدارِ سجنٍ ما
حتى أنك لو كشفت ظهري الآن: لرأيت آثارَ تلك الخطوط الصغيرة
التي يحفُرُها السجناءُ على الجدارن كلما مرتْ عليهم الأيام
وقبل ذلك... كنتُ حجراً أيضاً: يُقذفُ على العصافير...
وما زلتُ لليوم: كلَّما سقطَ عصفورٌ.. أعتقد أنني أنا السبب
لا تضحك: أنا أتذكَّر جيداُ أنني كنتُ حجراُ...
وأنا خائفٌ جداً أن يكون أحدهم ما زال يحملني للآن...
ولا أعرفُ ماذا سيفعلُ بي

**********************

هدنة من المطر

إنها تمطرُ الآن...
ستتبلَّلُ الحربَ التي تركتها في الخارج
وتصعدُ الرطوبةُ في مفاصل القتال
وتسيحُ البنادقُ مثل كحلٍ سافلٍ من عيون القضايا والأوطان
يبدوا هذا ملائماً لأشعرَ بالسلام حول النار التي في الصالة...
حيث الدبابات تجثو قربي مثل كلابٍ مشردةٍ سحمت لها
بالدخول إلى البيت
دباباتٌ دافئةٌ، يخرجُ من فِرائِها الجنود...
ويتقربون أكثر من النار وهم يضحكون...
ينشرون ملابسهم على أصابعي لتجفَّ
أحدهم يصعدُ نحو الكتاب الذي في يدي: ويبدأ بقطف الكلمات ويرميها
للآخرين من الأعلى...
إنها تمطرُ في الخارج..
والجنود شَبِعوا وناموا
وأنا أبحثُ عن الكلمات التي تركوها خلفهم
محاولاً...
أن أصنع منها: رسالةً لكِ

**********************

كلمات سيئة

أنا من قريةٍ بعيدةٍ...
كلَّما يموتُ واحدٌ فيها، تختفي كلمةٌ من أحاديثها للأبد
في البداية، احتفتْ الكلماتُ الجيدةُ...
مرَّةً.. ماتتْ طفلةٌ من الجفاف: فاختفتْ كلمةُ نهر
ولمَّا ماتتْ أمها من الحسرةِ عليها: اختفتْ كلمةُ مطر
ومرَّةً ماتَ نازحٌ من البرد: فاختفتْ كلمةُ نار
ومرَّةً ماتَ صغيرٌ من الجوع: فاختفتْ كلمةُ طعام
وماتَ شيخٌ كبيرٌ في وحدتِهِ: واختفتْ كلمةُ عائلة...
آخرُ كلمةٍ جيدةٍ بقيتْ عندنا كانت: الله
لكنها اختفتْ عندما سقَطَ أحدُ الأطفالِ في الشارع
جنازةٌ بعد أخرى: حتى اختفتْ الكلماتُ الجيدةُ كلَّها
وصِرنا نستخدمُ طرقاً معقَّدةً للكلام ..
سمعتُ أحدهم يصرخ: يا الطفل الذي ماتَ في الانفجار.. وكان يقصدُ: يا الله
ورأيتهُمْ في الدكاكين: يطلبون من الباعةِ صغيراً ماتَ من الجوع...
ويفهمُ الباعةُ أنهم يريدون طعاماً
وفي ليالي الشتاء نقولُ النازح الذي ماتَ من البرد بدلَ مفردة نار
وهكذا...
لا يوجد في القرية الآن سوى الكلماتُ الرديئةُ والناس الذين لم يموتوا بعد
أنا مازلتُ أعيشُ هناك
وكلُّ يومٍ أحاولُ النجاة: ككلمة جيدة .

**********************

تلك الأيام

أنا أعتذرُ لك يا صغيري

لقد علَّمتُكَ الكلام ثمَّ تركتُ لكَ الأيامَ التي لا يمكنُ التعبيرُ عنها.
 

أقسام الرافدين

عودة
أعلى أسفل